ليست هي المرة الأولى التي تصدر بها المحاكم أحكاما ببراءة متهمين في قضايا بيع لحوم فاسدة لأسباب إجرائية، بل هناك المئات من الأحكام التي تنتهي إلى تلك النتائج، والسبب في رأيي يعود إلى أمرين؛ الأول: تداخل الاختصاصات بين «البلدية» و»التجارة»، بشأن الالتزام بالضوابط التي تضعها كل وزارة في اتباع إجراء معين، ما يؤدي بها إلى تناقض النتيجة من قبل القائم بها، والأمر الآخر: عدم صلاحية عدد كبير من رجال ضبط المخالفات الخاصة بالأغذية، سواء من «البلدية» أو «التجارة»، وذلك لعدم اتباعهم أدنى درجات الالتزام القانوني، سواء بتحرير المخالفة أو تحريزها أو ضرورة عرضها وإخضاعها للفحص المخبري التابع للوزارة خلال المدة التي استلزمها القانون، وإلا سقطت القضية وفر المتهمون والسبب قصور المفتش في تحرير المخالفة!

Ad

وبالتالي فإن عدم مراجعة اللوائح والقرارات من قبل وزارتي البلدية والتجارة المتداخلة بين الجهازين بخصوص ضبط المخالفات أو حتى محاسبة محرري المخالفات عن الأغذية الفاسدة أو أي مخالفات أخرى، فإن سيل أحكام البراءة للمتهمين في هذه القضايا لن يتوقف بسبب عدم الالتزام بالإجراءات التي رسمها القانون في ضبط تلك الجرائم، ولأن المحاكم تطبق القانون على الوقائع التي أمامها، سواء كانت ناقصة الإجراءات أو مكتملة، ولا تبالي بضخامة الكمية أو باسم المتهمين فيها أو عددهم.

وجرائم بيع اللحوم الفاسدة، التي تنتهي بها بعض المحاكم إلى القضاء ببراءة المتهمين فيها، ليست وحدها التي يعود سببها إلى بطلان الإجراءات المتبعة من رجال الضبط القضائي، فمحاكم الجنايات تصدر يوميا عشرات الأحكام ببراءة المتهمين في قضايا تعاط واتجار وجلب المواد المخدرة، بسبب بطلان الإجراءات المتبعة من قبل رجال المباحث الجنائية في هذا النوع من القضايا بشكل متكرر.

وتلك الأخطاء الإجرائية ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج سنوات طويلة بدأت قبل نحو 35 عاما، عندما صدرت القوانين المجرمة والمشددة لجرائم المخدرات، دون أدنى محاسبة من قبل مسؤولي وزارة الداخلية لتلك الأخطاء الكارثية المتكررة، التي سببها القبض بدون إذن أو التفتيش بدون إذن أو أن يكون القبض أو التفتيش صادرا بحق المتهم الأول، فيأتي الضابط فيستخدم ذلك الأمر ذريعة لضبط عشرة متهمين آخرين معه، وغيرها من المخالفات الجسيمة التي دعت القضاء إلى توبيخ بعض رجال البحث والتحري ومطالبتهم بالالتزام بنصوص قانون الإجراءات، وباحترام حقوق وحريات الناس، فهي لدى القضاء أولى من أن يدان أحد!

لا يمكن التقليل من العيوب الإجرائية التي تتضمنها بعض محاضر المخالفات، التي تحررها بعض الجهات الحكومية التي منح القانون بعض موظفيها سلطة الضبط القضائي، وهي برأيي كالكوارث الإجرائية التي تفتقدها محاضر الإحالات من قبل رجال المباحث الجنائية في ضبط الجريمة بشكل عام وجرائم المخدرات بشكل خاص، وكلاهما يمثل خطرا كبيرا من شأنه أن يدمر المجتمع إذا لم تتخذ وزارات التجارة والبلدية والداخلية قرارات لمواجهتها والتحقيق إداريا مع المتسببين فيها، وعزلهم وظيفيا إذا ثبت تكرار تلك المخالفات، والتي لم أسمع أو أر تحققها من تلك الوزارات، بل العكس، إذ تأتي إحدى الوزارات لتكرم فرقة كاملة، ويقوم الوزير بمنحهم مكافأة مالية مجزية لمجرد ضبطهم الجريمة، لكن الوزير ذاته لا يعلم أن من كرمهم كانوا سببا لفرار الجناة من العدالة، بسبب سوء الإجراءات المتبعة منهم، وهم السبب الحقيقي لحصول المتهمين على أحكام البراءة، وتكريمه لهم وعدم محاسبته إياهم لسوء إجراءاتهم هو ما دفعهم إلى عدم احترام القانون وضرب نصوصه عرض الحائط!