مع «جنيف 2»... ولكن!
رغم أن هناك محاذير ومخاوف محقة كثيرة فإن مشاركة الائتلاف السوري في "جنيف 2" في ظل هذا الإجماع الدولي يبدو أنه بات ضرورة وطنية، فالاستنكاف سيعطي نظام بشار الأسد فرصة لإظهار المعارضة الوطنية على أنها "عدمية"، وأنها غير قادرة على اتخاذ القرار المطلوب الذي يستجيب للإرادة الدولية المجمعة، وإن بعضها بشكل مباشر، على أن هذا الرئيس السوري غدا خارج هذه اللعبة كلها، وأنه لن يكون شريكاً فاعلاً في المرحلة الانتقالية، بل لن يكون جزءاً من هذه المرحلة.ثم إنه من الضروري أن يُدفَع هذا النظام دفعاً ليكون هو الرافض للرغبة الدولية، وليكون هو المسؤول عن إفشال هذا المؤتمر وتعطيله، ويقيناً فإن ما سمعناه من تصريحات يؤكد أن بشار الأسد سيقاطع "جنيف2"، لاسيما أنه يشعر أن حلفه أكثر تماسكاً وأن هؤلاء الحلفاء، الممثلين أساساً في روسيا وإيران، لن يتخلوا عنه، وأنهم سيبقون يناورون ويداورون لضمان بقائه حتى نهاية ولايته التي من المفترض أن تنتهي في يوليو المقبل.
إنه على "الائتلاف الوطني" أن يتعاطى إيجابياً مع "جنيف2"، لكن من حقه أن يبقى يتمسك بشروطه التي أهمها أن يتم إيضاح طبيعة المرحلة الانتقالية التي يجري الحديث عنها، وأن تكون مبنية على محددات زمنية تنتهي بإجراء انتخابات ديمقراطية، بإشراف دولي، وأيضاً أن تكون مشاركة إيران في هذا المؤتمر متوقفة على سحب قواتها وميليشياتها وميليشيات أتباعها الطائفيين مسبقاً من الأراضي السورية، وأن يوقف بشار الأسد عملياته العسكرية، وألا يعطى أي فرصة للالتفاف على هذا المؤتمر، على غرار ما بقي يفعله منذ بداية هذه الأزمة الطاحنة عام 2011. وكذلك فإن من حق الائتلاف الوطني أن يتمسك بالقرارات العربية والدولية التي نصت على أنه الممثل للشعب السوري، وأن يرفض مشاركة المعارضة "المفبركة" والمدجنة التي اختُرِعت منذ البدايات لتكون صوت هذا النظام في هذا المؤتمر المزمع عقده، والتي كان ثبت أن هدفها، كلها أو بعض أطرافها، هو إعادة إنتاج نظام بشار الأسد وإعادة تسويته على الشعب السوري، وعلى العالم كله، وإلا فما معنى ظهور رفعت الأسد على المسرح عشية "جنيف2"؟ وما معنى أن يقوم قدري جميل بهذا "الانشقاق" الذي من المؤكد أنه تم الاتفاق على "مسرحيته" في الدوائر الاستخبارية السورية؟يجب أن يلعب الائتلاف السوري دوره، الذي هو لا غيره مَن يمثل المعارضة السورية الحقيقية، وهو يدرك أن هذا النظام لا يمكن قبوله شريكاً ولا يمكن الاطمئنان إليه، وأن الإيرانيين أهل "تقية" لا يمكن الوثوق بهم، وأن روسيا في ظل حكم فلاديمير بوتين وسيرغي لافروف هي العدو المبين، وأن الموقف الأميركي مائع، ولا يمكن الاعتماد عليه، وأن الحفاظ على وحدة المعارضة الفعلية والحقيقية يعتبر واجباً وطنياً، وأنه هو ضمان الانتصار في المواجهة الحاسمة، إن في البداية وإن في النهاية.الإيجابية ضرورية، لكن لابد من الحذر الشديد، ولابد أولاً وقبل أي شيء من الحفاظ على وحدة المعارضة الفعلية، فالنظام وأعوانه وأولهم روسيا وبالطبع معها إيران، يراهنون على انفراط عقد الائتلاف والمجلس الوطني والجيش الحر، ليكون البديل هو هذه المعارضة المدجنة التي ظهر رموزها قبل أيام في موسكو، وليصبح بقاء بشار الأسد ونظامه هو الخيار الذي لا خيار غيره، وهذا يعني أن كل هذه التضحيات التي قدمها الشعب السوري قد ذهبت سدى... وهكذا فإن المرونة الواعية ضرورية، لكن بدون التفريط ولا في مطلب واحد من المطالب التي بقي يتمسك بها المعارضون الفعليون الذين اعترف العالم كله، ومن ضمنه غالبية العرب، بأنهم يمثلون شعباً عظيماً من حقه ألا تذهب تضحياته سدى، ومن حقه أن يتخلص من أكثر من ستين عاماً من الظلام والقهر والقمع.