ستكون الشهور المقبلة، بالنسبة للمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية برعاية أميركية، حاسمةً، وستشهد الكثير من التكهنات والافتراءات والمزايدات والاتهامات، وسيقال في الرئيس محمود عباس (أبو مازن) وفريقه ومَن يساندهم من العرب أكثر مما قاله مالك في الخمر، فهناك مَن يجلسون على الأرصفة وفي مقاهي العواصم البعيدة في انتظار ما يثبتون به ثوريتهم وحرصهم على قضية فلسطين وقضايا الأمة العربية التي كثرت وتعددت في الآونة الأخيرة.

Ad

وحتى قبل دخول (أبو مازن) في المعمعة الحقيقية فإن حركة "حماس" من قبيل إقناع الإيرانيين بحُسْن توبتها وبأنَّ عودتها إلى حضن مرشد الثورة الإيرانية عودة صادقة ونهائية لا رجعة عنها فإنها بادرت، بمجرد عودة الرئيس الفلسطيني من باريس ووصفه للمفاوضات التي جرت هناك بـ"أنها فاشلة حتى الآن"، إلى إصدار بيان عرمرمي يليق بـ"الولي الفقيه" اتهمت فيه محمود عباس بأنه وافق على يهودية الدولة الإسرائيلية وأنه فرَّط في القضية الفلسطينية.

لقد عادت حركة "حماس" إلى إيران كعودة الابن الضال إلى حضن أمه، ولذلك فإنها ستغتنم فرصة احتدام معركة المفاوضات لتصب جام غضبها على رفيق "الطلائعيين الأوائل" الذين أطلقوا ثورة عام 1965، التي كانت تُعْتَبر انطلاقتها غير ممكنة ومستحيلة، والذين أصبح معظمهم شهداء عند ربهم أحياء يرزقون، وستكيل له ما هبَّ ودب من الاتهامات الظالمة التي كانت وُجِّهت إلى الرئيس ياسر عرفات (أبو عمار) رحمه الله.

إن الشهور المقبلة ستكون حاسمة وتاريخية، ومن المنتظر والمفترض أيضاً أنَّ (أبو مازن) سيتوكل على الله مستنداً إلى إرادة شعبه العظيم، ولن يضيع أي فرصة ممكنة تخدم مسيرة هذا الشعب المكافح وتقربه من لحظة الانتصار ومن إقامة الدولة المستقلة المنشودة، خصوصاً أنه يعرف، أكثر من غيره، أنَّ الإخوان المسلمين بقوا عشرين عاماً يعتبرون أن "فتح"، التي أطلقت رصاصة الثورة في عام 1965، حركة مشبوهة وأن هدفها هو دفع الأمتين العربية والإسلامية إلى معركة قبل أوانها... بل واتهموا أيضاً هذه الحركة العظيمة بأنها عميلة لحلف شمال الأطلسي و"الاستكبار العالمي" بقيادة الولايات المتحدة!

وبالتأكيد فإن (أبو مازن) يعرف أن المزايدين كانوا اتهموا عبدالله الأول بن الحسين، رحمه الله، بالخيانة لأنه تبنى حلاً يستند إلى حكم ذاتي لليهود على 22 في المئة فقط من أرض فلسطين التاريخية مقابل دولة فلسطينية مستقلة على 78 في المئة، كما أنه يعرف أن هؤلاء المزايدين قد اعتبروا قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، قبل أن يقرأوه، رجساً من عمل الشيطان، وأنهم شكلوا "جبهة رفضٍ" لخدمة أنظمة القمع والاستبداد لاعتراض خطوة "مينا هاوس" الشهيرة، وأنهم ساروا وراء حافظ الأسد في رفضه لـ"فاس الأولى" و"فاس الثانية" وأنهم قبل ذلك قد اعتبروا ذهاب (أبو عمار) إلى الأمم المتحدة عام 1974 خيانة ما بعدها خيانة، وأنهم اعترضوا على مؤتمر مدريد وعلى أوسلو وعلى عودة ياسر عرفات إلى وطنه فلسطين في عام 1994، وأنهم لعبوا طوال هذه المسيرة العسيرة دور قِوى الشد العكسي التي بقيت تراهن على أنظمة الديكتاتوريات العربية البغيضة.

لقد أضاع هؤلاء فرصاً كثيرة، أهمها أن الإسرائيليين استخدموا مواقفهم لإظهار أن القيادة الفلسطينية غير قادرة على اتخاذ القرار الصحيح في اللحظة المناسبة، وأنها لا تتقن إلا المواقف السلبية والعدمية، وأنها لا تريد السلام وتسعى إلى إلقاء إسرائيل في البحر... وهكذا فقد بقيت الدول الفاعلة تجد في مواقف الرافضين "على العُميَّة" دائماً وأبداً ذريعة لإدارة ظهرها لمطالب الشعب الفلسطيني ولتفهم كل الاداعاءات الإسرائيلية الباطلة وغير الصحيحة.