حتى يصل الغضب برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حد رفضه مصافحة وزير الخارجية الأميركي جون كيري فلابد أن يكون هناك أمر غير موضوع النووي الإيراني الذي من المستبعد، بل من المستحيل، أن يقْدم الأميركيون على أي اتفاق بهذا الشأن من وراء ظهر إسرائيل، ودون أن يعرف الإسرائيليون بأدق تفاصيله، فالأميركيون لا يهمهم بالنسبة لإنتاج إيران للقنابل النووية إلا هَمّ الإسرائيليين، وإذا أردنا كل الحقيقة، وهمّ ألا تمتلك الدولة الإيرانية هذا السلاح وتصبح رقماً رئيسياً في المعادلة الدولية والرقم الأول والرئيسي في المعادلة الإقليمية.

Ad

إن هناك أمراً آخر غير هذا الأمر هو الذي أخرج رئيس الوزراء الإسرائيلي عن طوره، وجعله يتصرف بطريقة همجية لا علاقة لها بالأعراف والتقاليد الدبلوماسية، وبخاصة بين إسرائيل والولايات المتحدة، إذ إن ما بينهما هو ما بين الأم وابنتها أو ما بين البنت وأمها، ولذلك ولِفهْم ما الذي أغضب بنيامين نتنياهو كل هذا الغضب يجب الابتعاد نهائياً عن موضوع النووي الإيراني، والتركيز على المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية التي تتم وراء ستارٍ كثيف من السرية برعاية أميركية.

لا يمكن تصديق أن بإمكان الأميركيين عقد صفقة مع الإيرانيين حول مشروعهم النووي بدون علم إسرائيل ومعرفتها حتى بأدق التفاصيل، فهناك الأوروبيون الذين لا يمكن أن يُخفوا أي شيءٍ بالنسبة إلى هذا الأمر عن الإسرائيليين حتى وإن أراد جون كيري هذا وأرادته الولايات المتحدة، والحقيقة أنه ضرب من الجنون الاعتقاد بأن أميركا قد تتصرف مع الدولة الإسرائيلية بهذه الطريقة، وبخاصة بالنسبة إلى قضية البرنامج النووي الإيراني الذي هناك إجماع أميركي وأوروبي على أن الموقف منه أولاً وثانياً هو موقفُ ما يعتبرونه أمن إسرائيل الآن وفي المستقبل القريب والبعيد.

ولهذا فإنه ليس أغلب الظن فقط بل المؤكد أن الحملة التي بدأها نتنياهو في الكونغرس الأميركي ضد كيري سببها جولات التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، التي بدأت قبل فترة وتواصلت برعاية وزير الخارجية الأميركي، وكل هذا مع أن عنوانها هو البرنامج النووي الإيراني، حيث الاعتقاد أن هناك تقدماً فعلياً قد أحرز، وأن اتفاقاً سرياً قد تم وقد يوقع خلال فترة قريبة.

ورغم أن الأطراف المعنية بالمفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية تلتزم التزاماً صارماً بعدم التحدث بأي شيءٍ عن هذه المفاوضات، لا سلباً ولا إيجاباً، فإن هناك "تسريبات" تشير إلى أن الأميركيين يصرون على إحراز تقدم فعلي خلال مهلة الأشهر التسعة المعروفة، وتشير أيضاً إلى أن كيري يمارس ضغوطاً جدية وفعلية على بنيامين نتنياهو وتحالفه اليميني لإجباره على التخلي عن سياساته "الحمقاء" التي إنْ كان بالإمكان تَحملها في السابق فإنه لم تعد هناك إمكانية لتحملها بعد كل هذه التحولات التي يشهدها الشرق الأوسط ويشهدها العالم بأسره.

وهكذا فإنه حتى الجمهوريين في الكونغرس الأميركي، ورغم أنهم يحاولون استغلال كل شيء لإضعاف باراك أوباما وإدارته فإنهم يعرفون أن هدف غضب بنيامين نتنياهو وتحالفه اليميني هو جدية كيري تجاه المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية الجارية الآن في سرية غير مسبوقة، وأن حكاية البرنامج النووي الإيراني مجرد قنبلة دخانية لإخفاء حقائق الأمور، ولتصوير أن الأولوية الأميركية يجب أن تكون لهذا البرنامج الذي يحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي إقناع واشنطن بأنه يشكل خطراً استراتيجياً على الإسرائيليين سواء الآن أو في المستقبل أو في كل زمان ومكان.