تضمّنت طبعة «كتاب خالد» الإيطاليّة مقدّمة للمترجم وأخرى للكاتب الإيطالي باولو برانكا، أستاذ الأدب الإيطالي المعاصر في جامعة ميلانو، وخُتِمَت بمقالة تحليليّة بقلم خالد فؤاد علام، أستاذ الأدب المقارن في جامعة روما.

Ad

 شملَت الترجمة سيرة الرَّيحاني بالإيطاليّة وبيبليوغرافيا موسّعة عن «فيلسوف الفريكة» بالإيطالية أيضاً. و{كتاب خالد» بات «أيقونة أدبية» في العالم من كتب أدباء المهجر اللبناني التي رسخت في الوجدان ونشرت بأكثر من لغة، وأبرز الترجمات عن الأصل الإنكليزي له هي تلك المنقولة حتى اليوم إلى العربيّة، والفرنسيّة، والروسيّة، والآن إلى الإيطاليّة. أمّا ترجمات نصوص مختارة من هذه الرواية الفلسفيّة فبلغت 42 ترجمة من مختلف أنحاء العالم  من بينها الأرمنية، والصينية والألمانية، واليونانية، والفارسية، والبولونية، والإسبانية، والتركية، والأوكرانية، كذلك تناوله عدد من الأطروحات الجامعية في العالم العربي ودول أوروبية وأميركية.

وذاع صيت {كتاب خالد} بقوة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، مع التذكير بأن ترجمته إلى العربية تأخرت كثيراً. وقد أبدى الكتاب الأميركيون والصحافة العالمية والجامعات اهتماماً حقيقياً بهذا العمل البارز، كتبت هلن جونسن كايس تقول: {يمتاز خالد بجاذبية العقل الخارق والقلب النابض ليضيء عدداً من الزوايا المظلمة في حضارتنا، ليس هو بمواطن شرقي أو غربي، إنه الأمل الذي ينشد وحدة الكون وقدرة الإنسان المتفوق}. وترى صحيفة {بوسطن هارولد} أنه: {بهذا العمل يحتل العنصر الشرقي مكانته في الآداب الانكليزية}. في حين ترى مجلة {أميركان جورنال} أن {الريحاني ينظر إلى الحياة بسمو ويكتب بسهولة ورشاقة، أما بطله خالد فيختبر العادات والتقاليد باحثاً عن طريقه في الفكر الإنساني. ويجد القارئ وجوه أميركا المتعددة منعكسة في هذا الكتاب الغريب المثقل بالرموز ومعالم النبوّة}.

جبروت ناطحات السحاب

تصور الرواية مشاكل هجرة العرب إلى الولايات المتحدة مع بداية القرن العشرين. ففي ذلك العام كان عمر الريحاني 35 سنة (ولد سنة 1876 وتوفي سنة 1940)، أمضى معظمها يحاول تعريف الأميركيين بالثقافة العربية، وفي الجانب الآخر يفعل العكس لتعريف العرب بالولايات المتحدة. وتجمع  الرواية بين السرد والتأمل والرسائل، تحكي قصة شابين من بعلبك، هاجرا إلى مدينة نيويورك، وتعرفا إلى الولايات المتحدة قبل أن يعودا إلى بلادهما. ويتضمن الكتاب تركيزاً على القيم الأميركية ومدى تأثيرها في العالم العربي البعيد للشابين اللذين فكرا في الطريقة التي يمكن أن تلهم بها القيم الأميركية والأفكار المتعلقة بالتسامح الديني في مساعيهم إلى التحرر من حكم الإمبراطورية العثمانية التي كانت تسيطر على العالم العربي. لقد هاجر {خالد} (بطل الكتاب) إلى أميركا وتاجر، ووقف أمام جبروت ناطحات السحاب الأميركية، وجد نفسه محشوراً في القبو المظلم، وسط هذه المدينة الجبارة... عاش صدمة الانسان (الشرقي) السلبية أمام قوة الصناعة {وضخامة الثروة فالمال} الذي هو واحد من لغتين في العالم، والحب هو اللغة الثانية}. وجد خالد أن الغرب يتكلم بلغة المال، اكتشف أن التجارة لا تشبع نهمه النفسي بقدر ما يشبعها التأمل والتعمق والاعتبار، فتوقفت أرباحه المادية القليلة... وضعفت قواه الجسدية، فانتقل لعيش تجربة الهيبيين. وقد ساهمت هذه التجربة بانخراطه في العمل السياسي الديمقراطي، وجعلته يبرز كمرشد وزعيم لأبناء جاليته العربية.

ولا يقتصر الأمر على التجوال في شوارع نيويورك {متنكباً الكشة} سعياً وراء الرزق، فخالد سرعان ما يضيف إلى مكتبته الثقافية، وإلى ديوان المتنبي الذي حمله معه من بلاده، مجموعة من الكتب والآراء والنظريات التي واكبت تطوره النفسي، وأسهمت من دون ريب في تكوينه الفكري. وكلما عصف به الحنين إلى بلاده، عمد إلى إحراق الكتب المستعملة. وعندما عاد الشاب إلى بلادة بحثاً عن العمل لم يجد شيئاً، وقرر أن يصنع عربة لبيع الخضراوات عليها، ليجني بعض المال ليعول أسرته، ولكن رجال السلطة في بلاده يطردونه ويجبرونه على ترك عربته، ويرفض خالد الاستسلام ويصنع عربية مرة أخرى. يعتقد رجال السلطة أن خالد تحداهم فيتلقى منهم ضربة أخرى ويحطموا عربته، ويذهب خالد إلى منزلة ليرى تلهف أمه وإخوته الصغار على أي شيء يأكلونه وهو لا يملك المال.

وبمرور الأيام، يذهب خالد إلى الشارع ليصرخ بأعلى صوته، مندداً بالظلم ويستمر في المشى رافعاً صوته أعلى فأعلى، وفجأة يسمع صدى صوته ويقترب أكثر فأكثر وبعد الاقتراب يرى عشرات الآلاف من الشباب مطالبين بمطالبه نفسها {الحرية والكرامة ووقف نهب مصادر البلاد من حفنة من رجال السلطة}. يصرّ خالد على عدم السفر إلى أميركا ويبقى في بلاده مع الشباب لتغيير المساوئ التي تعصف بها.