تأمين الذات أم تدميرها؟

نشر في 02-04-2014
آخر تحديث 02-04-2014 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت على الرغم من أن بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي يغض الطرف عن الآثار غير المباشرة المترتبة على سياسته النقدية، يشعر الناس في بقية العالم الآن بالقلق والانزعاج إزاء الأثر الذي سوف يخلفه انعكاس اتجاه تدفقات رأس المال على الاقتصادات الناشئة. فهل تثبت الاحتياطيات الأجنبية التي كدستها هذه البلدان في الأعوام الأخيرة أنها كافية لحماية أنظمتها المالية مع تدفق السيولة عائدة إلى الاقتصادات المتقدمة؟

الإجابة المختصرة عن هذا السؤال هي كلا، لأن الإفراط في تأمين الذات يُفضي في نهاية المطاف إلى قدر من الضرر أعظم من كل نفع قد يترتب عليه. ومن أجل كسر الحلقة المزعزعة للاستقرار من تدفقات رأس المال القصيرة الأجل والتراكم المفرط للاحتياطيات الأجنبية، ينبغي لصندوق النقد الدولي، بالاستعانة بالدعم الواسع من مجموعة العشرين، أن يعمل على وضع قواعد جديدة تحكم الآثار غير المباشرة المترتبة على السياسة النقدية.

إن الأزمات الشديدة تخلف بصمتها على روح أي أمة، في أواخر تسعينيات القرن العشرين، دفعت أزمات العملة والأزمات المصرفية التي اجتاحت الاقتصادات الآسيوية قادة البلدان المتضررة إلى استنتاج بسيط مفاده أن أي قدر من التأمين لن يكون زائداً على الحاجة. ورغم أن إدخال أسعار الصرف المعومة أزال الحافز إلى الاقتراض بعملة أجنبية (وبالتالي الحاجة إلى تأمين الذات)، فإن المذلة السياسية المتمثلة بفقدان السيادة لصندوق النقد الدولي- ولو بشكل مؤقت- كانت مدمرة إلى الحد الذي جعل التكاليف الاقتصادية المترتبة على بناء صندوق ضخم لحرب العملة الأجنبية يبدو أمراً يستحق العناء. ولكن قادة هذه الدول فشلوا في إدراك العواقب الكاملة.

فقد تسبب تكديس الاحتياطيات من النقد الأجنبي في إضعاف سعر الصرف، بوصفه أداة تسوية وتيسير، ولكن عملات الأسواق الناشئة الأكثر قوة في العقد الأول من القرن الحالي كان من المرجح أن تؤدي إلى إعادة التوازن في اتجاه الطلب المحلي في وقت أسبق، ولو كانت هذه البلدان قد أعادت تدوير مخزون أصغر من الاحتياطيات الأجنبية في سندات الخزانة الأميركية وسندات الهيئات الحكومية والأوراق المالية العالية المخاطر، فإن أسعار الفائدة الأميركية كانت ستظل أعلى في الأرجح، وكانت فوائض الحساب الجاري لدى الأسواق الناشئة لتنخفض في وقت أسبق، وكان عجز الاقتصادات المتقدمة ليتقلص، لكي يستعيد بالتالي حالة أشبه بالتوازن. ولكن بطبيعة الحال، لم يحدث كل ذلك، وكان الاستقرار المالي العالمي هو الضحية.

وعلاوة على ذلك، من الممكن أن يعمل تراكم تأمين الذات على توليد منافسة أشبه بسباق التسلح، فسواء كان ذلك لمنع مظهر التأمين غير الكافي أو لتجنب خسارة حصة التصدير، فإن التدخلات الكبيرة في أسواق العملة أصبحت مقبولة على نطاق واسع بين الاقتصادات الناشئة في آسيا بوصفها استجابة طبيعية لتدفقات رأس المال الضخمة، وهو ما يتناقض بشكل مباشر مع التزام هذه البلدان بتعويم أسعار الصرف.

ولأن التدخل المستمر في العملة كان سبباً في الحد من التقلبات، فقد شجع ذلك تدفقات متزايدة الحجم من رأس المال إلى الداخل، بدعوى الحد من المجازفة. وفي الوقت نفسه، أصبحت عملات البلدان التي اختارت عدم التدخل هدفاً لتدفقات المضاربة، بسبب التوقعات بانخفاض قيمة هذه العملات. وبعبارة أخرى، لم تحدث التأثيرات غير المباشرة بين الاقتصادات المتقدمة والناشئة فحسب، بل أيضاً بين الاقتصادات الناشئة.

ورغم هذا فإن بعض البلدان مثل جنوب إفريقيا والمكسيك- وكل منهما اختارت عدم التدخل- كان أداؤها أفضل على أكثر من نحو مقارنة بالبلدان التي كانت سعيدة بتدخلها. ولك منهما عانت بشكل طفيف التداعيات المالية الناجمة عن ضعف العملة في أعقاب إعلان بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي في مايو الماضي عن اعتزامه "الخفض التدريجي" لمشترياته من الأصول الطويلة الأجل. والواقع أن أسعار الصرف المعومة حقاً استوفت الغرض منها في عموم الأمر: إزالة الحافز لتكديس الديون الخارجية، وتشجيع المرونة داخل الاقتصاد الحقيقي، وتعزيز تنمية أسواق رأس المال العميقة السائلة.

وتضرب عاقبة أخرى من عواقب تأمين الذات بجذورها في الهدف الجدير بالثناء ظاهرياً والمتمثل بالحفاظ على السيادة الوطنية. وعلى وجه التحديد قد تستسلم الحكومات، وخاصة في أوقات الانتخابات، لإغراءات استخدام تأمين الذات كبديل للتكيف وضبط الأوضاع، وليس كوسيلة للمساعدة في تخفيف تأثير أي صدمة أو دعم إعادة التوازن الاقتصادي. والواقع أن البديل- "استئجار" التأمين من الهيئات المتعددة الأطراف مثل صندوق النقد الدولي- سوف يتطلب الوفاء بالتزامات إصلاحية محددة.

والحق أن سياسات تأمين الذات في الاقتصادات الناشئة، مثلها كمثل السياسة النقدية المفرطة في الرخاوة، تعمل على تغذية حلقة ارتجاعية من ردود الفعل الانعكاسية. ورغم أن اقتراحا يقضي بتنازل البلدان عن استقلال سياستها النقدية يُعَد ضرباً من الحماقة، فإن الحاجة واضحة إلى بعض القواعد للحد من الآثار غير المباشرة- وهي القواعد التي لابد أن تأتي من صندوق النقد الدولي بعد إصلاحه وتجديده، مع حرص الكونغرس الأميركي على إظهار دعمه من خلال زيادة الحصص التي طال انتظارها.

وعلى وجه التحديد، ينبغي لصندوق النقد الدولي أن يتولى المسؤولية عن إعادة تقييم الآثار غير المباشرة وتعبئة دعم السيولة للاقتصادات المعرضة للخطر وفقاً لذلك، إما من خلال خطوط مقايضة العملة التابعة للبنوك المركزية أو مرافق السيولة التابعة لصندوق النقد الدولي. ومثل هذا التأمين المتعدد الأطراف من شأنه أن يقلل من الحاجة إلى تأمين الذات، من دون التعدي على سيادة الدول. لا شك أن مثل هذه القواعد لن تعزل الاقتصادات بالكامل عن التأثيرات غير المباشرة للسياسة النقدية، والتي تشكل عنصراً لا مفر منه في عملية ضبط الاقتصاد وتكييفه. ولكنها تساعد في تخفيف ذلك النوع من مخاطر الأحداث النادرة التي ابتلي بها النظام المالي على مدى العقدين الماضيين. وفقط من خلال الاستعانة بآلية واضحة المعالم لإدارة التأثيرات غير المباشرة يصبح بوسعنا أخيراً كسر الحلقة المفرغة من تقلبات تدفقات رأس المال والإفراط في تأمين الذات.

* جين فريدا ، خبير استراتيجي عالمي لدى شركة مور أوروبا لإدارة رأس المال.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top