تأمين ألعاب سوتشي الأولمبية

نشر في 11-02-2014
آخر تحديث 11-02-2014 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت مع كثافة حضور وانتشار أدوات إنفاذ القانون في سوتشي أو بالقرب منها، قد يحاول الإرهابيون توجيه ضربتهم إلى مكان آخر أثناء دورة الألعاب الأوليمبية. فروسيا في نهاية المطاف بلد شاسع، والخلايا الإرهابية صغيرة ومن الصعب اختراقها لأن الإرهابيين يستخدمون أساليب اتصال بدائية يصعب اكتشافها.

في عام 2007، عندما سافر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مدينة غواتيمالا لدعم مسعى بلاده لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي، كان يدرك أن الفوز سيكون الخطوة الأكثر سهولة في العملية. وتَنَدّر العديد من الناس قائلين إن روسيا هي الدولة الوحيدة التي قد تقترح منتجعاً في مدينة تقع على الساحل في منطقة شبه مدارية لإقامة مسابقة للرياضات الشتوية. ولكن برغم أن المخاوف بشأن الافتقار إلى الجليد في الجبال المحيطة أو عدم قدرة روسيا على تشييد البنية الأساسية المطلوبة في الوقت المناسب انحسرت تدريجياً منذ فازت روسيا بشرف تنظيم الألعاب، ظل تخوف رئيسي واحد قائما: تهديد الإرهاب.

تقع مدينة سوتشي في منطقة شمال القوقاز، التي شهدت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي تمرداً مسلحاً طويلاً ووحشياً في الشيشان، في حين تحولت داغستان المجاورة في وقت لاحق إلى مرتع للتطرف الإسلامي والإرهاب. والواقع أن بوتين اكتسب تأييداً واسع النطاق بين أبناء الشعب الروسي بسبب تعامله الحازم الشرس مع الانفصاليين في شمال القوقاز- وهو التأييد الذي ساعد في إقناع الرئيس الروسي آنذاك بوريس يلتسين بتعيين بوتين خلفاً له في عام 1999.

وبمجرد توليه لمنصبه تمكن بوتين- من خلال النصر العسكري وسياسة المصالحة- من تهدئة الشيشان وتحويلها إلى إقطاعية أكثر ارتباطاً بروسيا من أي جزء حقيقي من الاتحاد الروسي. ونتيجة لهذا، ساد السلام مع الشيشان وداخلها منذ ما يزيد على عشرة أعوام.

ولكن تبين أن الإرهاب يشكل تحدياً أكثر عناداً من كل التوقعات. فمع اقتراب الحرب في الشيشان من نهايتها في عام 2002، احتجز إرهابيون من شمال القوقاز مئتي شخص في مسرح موسكو كرهائن. وعلى نحو مماثل، في عام 2004، احتجزت جماعة مسلحة المئات من تلاميذ المدارس في بلسان بأوسيتيا الشمالية. وتجاوز عدد القتلى في هاتين الهجمتين فقط خمسمئة شخص.

وفي عام 2005، استولى إسلاميون مسلحون على مدينة نالشيك، وهي عاصمة إقليمية في شمال القوقاز، وتمكنوا من الاحتفاظ بها يوما واحدا. وفي عام 2010، قُتِل أربعون شخصاً على الأقل في انفجارين في مترو موسكو نفذهما انتحاريان من داغستان. وفي العام التالي، قُتِل 37 شخصاً بطريقة مماثلة في مطار دوموديدوفو في موسكو. واستمرت الهجمات برغم إعلان بوتين استعداده للتصريح بتوجيه ضربات ضد الإرهابيين المشتبه فيهم "أينما كانوا".

ومن الإنصاف أن نقول إن الإرهابيين كانوا في حالة حرب مع روسيا منذ لحظة تفكك الاتحاد السوفياتي تقريباً. ولكن الأمر لم يعد كفاحاً من أجل استقلال منطقة بعينها في القوقاز؛ بل لإقامة "خلافة قوقازية" على أساس الشريعة الإسلامية.

وتغيرت أيضا طرق الإرهابيين. فلم يعد تكتيكهم المفضل التمرد المسلح كما كانت الحال في تسعينيات القرن العشرين، أو شن غارات بواسطة مجموعة من المسلحين كما حدث في العقد التالي، بل تحولوا إلى أعمال الإرهاب الفردية. وتتراوح أهدافهم بين أقسام الشرطة ومحلات بيع الخمور في القوقاز إلى الدوائر الإسلامية الرئيسية في تتارستان إلى أشخاص عاديين في أماكن أخرى من روسيا. ويجسد الشقيقان تسارناييف- المسؤولان عن  تفجيرات ماراثون بوسطن في العام الماضي- هذا النمط من الإرهاب، الذي يستهدف المجتمع العلماني الحديث بشكل عام، سواء في روسيا أو أي مكان آخر.

كان من الواضح منذ البداية أن أولمبياد سوتشي، الذي يلخص كل شيء يعارضه الإرهابيون، سيكون هدفاً محتملاً. ولعل التفجيرات الأخيرة في فولغوغراد بجنوب روسيا، وبياتيغورسك في شمال القوقاز- التي أودت بحياة أكثر من ثلاثين شخصاً- كانت مصممة لنقل رسالة إلى الروس مفادها أنهم عُزل، في حين توهم بقية العالم أن سوتشي مكان أخطر من أن يقوموا بزيارته.

وقد نجحوا إلى حد ما. فقد ألغى البعض رحلاتهم إلى سوتشي، برغم إدانة المجتمع الدولي للهجمات وتعهده بتحدي الإرهاب. وأخيراً قال وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل للمراسلين الصحافيين إن الولايات المتحدة، بالعمل مع مسؤولي الأمن الروس، ستكون على استعداد لإخراج الأميركيين من سوتشي في حالة وقوع هجوم.

ولكن الحقيقة هي أن سوتشي ربما تكون المكان الأفضل حماية في روسيا اليوم. فمع تعرض مكانة بوتين الشخصية للخطر فإن الأولوية القصوى لقوات الشرطة وأجهزة الأمن في روسيا تتلخص في ضمان مضي الألعاب قدماً من دون وقوع أي حوادث.

وهذا من شأنه أن يثير خطراً آخر: فمع انتشار أصول إنفاذ القانون في أو بالقرب من سوتشي، قد يحاول الإرهابيون توجيه ضربتهم إلى مكان آخر أثناء دورة الألعاب الأوليمبية. فروسيا في نهاية المطاف بلد شاسع، والخلايا الإرهابية صغيرة ومن الصعب اختراقها، لأن الإرهابيين يستخدمون أساليب اتصال بدائية يصعب اكتشافها. وبرغم أن التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب أمر مفيد، فإن تأثيره يظل مقيداً بسبب الشكوك وانعدام الثقة، كما أوضحت تفجيرات ماراثون بوسطن.

بالتوازي مع دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي، تجري بالفعل أحداث مسابقة أخرى بين الإرهابيين الذين يسعون إلى عرقلة الألعاب، أو على الأقل إفساد الأجواء المحيطة بها، وقوى الدولة الروسية التي تتلخص مهمتها في إحباط مخططات الإرهابيين. وهي المسابقة التي يتعين على روسيا أن تفوز بها.

*ديميتري ترينين مدير «مركز كارنيغي» في موسكو.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top