المصارف لا تتساقط مثل أحجار الدومينو، و«النقد الدولي» ليس في وضع إنقاذ مهووس، ولا أحد يتبرع بمجوهراته لبلاده. معظم القصة، التي أقنعت مستثمري البلدان المتقدمة أن الأسواق الناشئة لم تعُد رهاناً متقلباً يعتمد على الدورات الاقتصادية المتطرفة، تبقى على حالها.

Ad

كان الإقبال على الأسهم العالمية في بداية 2014 قوياً، لكن الأسواق الناشئة لاتزال متراجعة بعناد، ووفقاً لشركة تزويد البيانات EPFR Global، شهدت صناديق أسهم الأسواق الناشئة 12 أسبوعاً متتاليا من صافي عمليات الاسترداد (إغلاق التعاملات) في الفترة المنتهية في منتصف يناير.

وكان المستثمرون الأفراد والمؤسسات على حد سواء مسؤولين عن الهجرة الجماعية، التي تدل بوضوح على أن انسحاب الاحتياطي الفدرالي من برنامج التسهيل الكمي مستمر في التأثير في البلدان النامية. لكن السؤال المهم هو ما إذا كانت الأسواق تبالغ في رد فعلها.

لاحظ أن هذا ليس إعادة للأزمة الآسيوية في عامي 1997 و1998. فالمصارف لا تتساقط مثل أحجار الدومينو، وصندوق النقد الدولي ليس في وضع إنقاذ مهووس، ولا أحد يتبرع بمجوهرات الذهب الخاصة به لبلاده. معظم القصة، التي أقنعت مستثمري البلدان المتقدمة بأن الأسواق الناشئة لم تعُد رهاناً متقلباً يعتمد على الدورات الاقتصادية المتطرفة، تبقى على حالها. وعلى المدى الطويل يمكن الاعتماد على الأسواق الناشئة لتتفوق على الاقتصادات في العالم المتقدم. وقد تم تعزيز المالية العامة في هذه البلدان من خلال تراكم هائل لاحتياطيات النقد الأجنبي منذ الأزمة الآسيوية. وبالتالي أصبح هناك اعتماد أقل على الدين الأجنبي.

الأسواق الناشئة

إذاً، لماذا تضررت الأسواق الناشئة بشدة منذ مايو الماضي عندما بدأ رئيس مجلس إدارة الاحتياطي الفدرالي السابق، بن برنانكي، الحديث عن الانسحاب التدريجي؟ من الواضح أن الأسواق أُخذت على حين غرة. لكن وراء هذا التغيير في المفاهيم على مدى ما بقي من 2013، هو الاعتراف بأن الفرق بين معدلات النمو في العالم المتقدم وبين البلدان النامية كان يضيق، في الوقت الذي استعاد فيه الاقتصاد الأميركي صحته ونجح البنك المركزي الأوروبي في إحباط أزمة السندات السيادية. وفي الوقت نفسه، كانت معدلات النمو في بلدان مثل الصين تتباطأ، الأمر الذي أدى إلى تراجع أسعار السلع الأساسية التي كانت، بدورها، مهمة للأسواق الناشئة الأخرى.

وأصبح المستثمرون أكثر قدرة على التمييز: البلدان الأكثر تضرراً كانت تلك التي سمحت بتوسيع عجزها في الحساب الجاري في الفترة التي كان فيها التمويل متاحاً بسهولة، ثم وجدت نفسها كثيرة الاعتماد على تمويل البنوك والمحافظ قصيرة المدى. وكان أكثرها سُميّة في البلدان التي مثل تركيا، حيث تَعَقَّد الاعتماد على الأموال الساخنة بسبب السياسات السيئة. فقد كان الانخفاض في الأسهم التركية قريباً من 30 في المئة خلال عام 2013 ولاتزال العملة تحت الضغط.

انسحاب تدريجي

لكن هناك أمرا واحدا لم تميّز فيه التدفقات الخارجة، بل كانت تَحدث كيفما اتفق. فهناك تحليل مثير للاهتمام عن التغيرات في أسعار الصرف، والاحتياطيات الأجنبية، وأسعار الأسهم بين أبريل وأغسطس 2013، أجراه كل من باري آيتشينجرين وبونام جوبتا، لم يجد دليلاً يذكر على أن البلاد التي لديها أساسيات قوية في الاقتصاد الكلي، مثل العجز القليل في الميزانية، وديون أقل، واحتياطيات أكبر، ومعدلات نمو أقوى، كوفئت منذ مايو بانخفاض أصغر من غيرها في أسعار الصرف، والاحتياطيات الأجنبية، وأسعار الأسهم.

والتأثير الأكبر للانسحاب التدريجي شعرت به البلدان التي سمحت لأسعار الصرف بالارتفاع بشكل كبير في الفترة قبل مايو، عندما أدت توقعات استمرار الاحتياطي الفدرالي في برنامج التسهيل إلى السماح بكميات كبيرة من رأس المال المتدفق إلى الداخل. لذلك، المفارقة هي أن البلدان التي كانت أكثر صخباً حول حروب العملات عندما بدأ التسهيل الكمي، عوقبت بالدرجة نفسها عندما اقتربت نهاية التسهيل الكمي.

وهناك نتائج أكثر جوهرية في بحث آيتشينجرين وبونام من المحتمل أن تكون مزعجة، وهي أن عاملاً مهماً محدِّداً للفرق التفاضلي في الأداء نتيجة لحديث الانسحاب التدريجي كان حجم السوق المالية في البلد. فالبلدان التي لديها أسواق أكبر تعرضت لضغط أكبر على سعر الصرف، والاحتياطيات، وسوق الأسهم. وبعبارة أخرى، كان المستثمرون يسعون إلى إعادة توازن محافظهم عن طريق الخروج من تلك الأسواق الناشئة التي قدمت حجم السيولة الأكبر. وهذه ليست رسالة مشجعة بالنسبة لبلدان مثل الصين التي ترى في تطوير سوق المال جزءا لا يتجزأ من إعادة توازن الاقتصاد بعيداً عن الاستثمار في الصادرات والتحول نحو الاستهلاك.

السياسات التحوطية

واللافت للنظر بالدرجة نفسها، أن الضوابط على حركة رأس المال ولا التشديد في المالية العامة، وليس حتى مزيجاً بين الاثنين، كانت كافية لإحباط التدفقات المالية الداخلة. ويبدو أن السياسات التحوطية في الاقتصاد الكلي، مثل القيود المفروضة على نمو القروض المصرفية، والقواعد التنظيمية التي تحدد نسبة القروض إلى قيمة المساكن في سوق القروض العقارية، كانت أكثر فاعلية في تخفيف الضغط المتصاعد على العملة واتساع عجز الحساب الجاري.

لذلك نسأل: متى يبدو منطقياً اعتماد وجهة نظر مخالِفة بشأن أسهم الأسوق الناشئة؟ المشكلة هي أن حسم التقييم بالنسبة لأسهم البلدان الناشئة نسبة إلى أسهم البلدان المتقدمة ليس كبيراً حسب المقاييس التاريخية. والبلدان التي تبدو فيها التخفيضات مغرية توجد فيها مشكلات كبيرة. وعندما تحدثتُ مع مسؤولين ورجال أعمال في إسطنبول الأسبوع الماضي، جعلني ذلك أشعر أن مزيجاً من السلوك الشاذ الأخير لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي يمتلك كرهاً عميقا لأسعار الفائدة المرتفعة، والاعتماد المكثف على تدفقات الأموال الساخنة، هو معادلة محصلتها أن الأشياء ستسوء قبل أن تتحسن. فمن السابق لأوانه القيام بالغوص في تلك البلدان.

* (فايننشال تايمز)