لماذا هذه الحساسية الزائدة وما رافقها من كلمات استهزاء ووعظ متعالية ضد النائب رياض العدساني حين قدم استجوابه لرئيس الحكومة من جماعات ملوك أكثر من الملك، كأن الاستجواب يصادر منابع أرزاقهم، أو يتهمهم بالخيانة والعمالة! شلل التابعين و"المتمصلحين" من بقاء الأوضاع السيئة على حالها ينطبق عليها المثل الشعبي "اللي على راسه بطحة يحسس عليها"، وبالتأكيد فإن على رؤوسهم بطحات عظيمة، وإلا فما معني ذلك الانتقاد المر والتوبيخ السخيف ضد رياض لمجرد تقديمه الاستجواب حتى قبل أن ينطق رئيس الوزراء أو مكتبه بكلمة واحدة عن نقاط الاستجواب. 

Ad

 رياض في استجوابه لا يتهم رئيس الوزراء بقضايا محددة، بقدر ما يعرض استجوابه أمراض الدولة التي يتجرعها المواطنون عبر عقود ممتدة منذ ما قبل تكليف الشيخ جابر المبارك بمنصبه، وحتى قبل الذين سبقوه، فمن منا لا يشكو الإسكان وقضاياه المتشعبة من ارتفاع جنوني في أسعار الأراضي حتى أضحى أصحاب الملايين هم القادرين وحدهم دون غيرهم على شراء قطعة أرض بسيطة لسكن أبنائهم، ومن منا لا يتألم من فترات انتظار مأساوية تمتد عقوداً حتى يحصل على بيت العمر أو يُقدَّم له القرض مع شروط مجحفة لا تتماشى مع الواقع. سبعون ألف دينار تقدم لمن يريد شراء شقة العمر بشرط ألا تقل مساحتها عن 280 متراً مربعاً (على حد علمي) فهل توجد شقة بهذا الحجم وبذلك السعر في الإقطاعيات الكويتية في دولة مخصصة للأثرياء؟ أما القائمون على شؤون الإسكان فيبدو أنهم في عالم آخر، فهم لا يرحمون ولا يتركون رحمة الله تنزل، ونبقى على هذا الحال إلى ما شاء الله. 

 من نقاط الاستجواب الرئيسية الصحة والتعليم والإسكان، فهل هناك من يجادل في أن "ثالوث" الأمراض المزمنة تتمثل فيها، وهل قدمت هذه الحكومة خطة لحلها، وهل سنصدق وعودها، كما كانت وعود سابقاتها، بأن لها القدرة على حلها، فهذا حلم لا نملكه يطفو في غيوم الأوهام، لكننا نتمنى بتواضع اليائسين أن يكون للحكومة، القدرة علي التخفيف من شدتها. 

 يثير رياض أيضاً قضايا محورية كلها تدور وجوداً وعدماً مع محنة الفساد واستغلال النفوذ مثل استاد جابر أو مستشفاه وجسره، ومعظم مشاريع البنية التحتية المنسية، وكلمة "تحتية" تعني هنا تحت البلاط، أي تخبئة أتربة الفساد المالي السياسي تحت السجاد، وهناك مسائل مثل تجارة الإقامات وغرامة "الداو"، كلها أتت، على سبيل المثال وليس الحصر، فهي أمور حياتية تثير قلقاً من بقائها واستمرار دورانها في حلقة ليس لها أول ولا آخر، فهل هناك جريمة إذا سأل عنها رياض؟ ولماذا لا نقرأ الاستجواب على أنه فرصة لرئيس الحكومة لتوضيح برامج حكومته ونياتها لحل معضلات الدولة التاريخية؟ فهل المطلوب من المواطن الصمت وطأطأة الرأس حتى لا يصدع دماغ الحكومة بمثل هذا الاستجواب؟!