كما لو أن الإنسان، مسلما وغير مسلم، لا عمل له في رمضان إلا مشاهدة التلفزيون، هذه هي حال تكالب الدراما التلفزيونية في رمضان! فما يكاد ينتهي مسلسل حتى يأتي آخر، وما إن تنتقل من محطة إلى أخرى، حتى تأتيك الوجوه نفسها، فالممثل الواحد يعمل في أكثر من عمل، ويجسد أكثر من شخصية، مما يتناقض وفكرة الممثل والتقمص والعلاقة مع الجمهور.

Ad

الدراما في رمضان أصبحت من الإزعاج بمكان، بحيث ان جمهوراً عريضاً صار ينصرف عنها، ليوفر على نفسه مضيعة الوقت، والدخول في مواضيع أبعد ما تكون عن أرض الواقع، وبشكل يدّعي كذباً الكوميديا، وهو أبعد عما يكون عنها، وأقرب ما يكون إلى الإسفاف الذي يصل، في أحيان كثيرة، إلى تساؤل مشروع لدى المشاهد: ما الذي يدفع بالممثل لأن يسترخص نفسه إلى هذا الحد؟ بحيث يبدو مثيراً للشفقة، وأحياناً مثيراً للتقزز بما يقدمه من مشاهد هابطة!

منذ بدأ المسرح كانت هناك كوميديا، لكنها كوميديا الموقف، كوميديا تنتزع ضحكة المشاهد لطرافتها، ولصدق إمكانية حدوثها على أرض الواقع، بعيداً عن قيام الممثل بالإساءة إلى نفسه، والتحول إلى مسخ للفوز بضحكة سمجة من المشاهد! ما نشاهده من برامج تلفزيونية في شهر رمضان: صراخ، وسباب، ومكياج زائد، ومسابقة في الأزياء، وحوار هابط، وأدوار معادة، وتكلّف ممجوج، كل هذا مجتمعاً يقول بإفلاس الدراما، وبعدها عن الواقع، وأخيراً سقوطها في مستنقع البؤس والخيبة!

أوطان الوطن العربي من المحيط إلى الخليج تمرّ بأوضاع اجتماعية جديدة وصادمة، في عالم متغيّر، وهذا يتطلب من الفنان وعياً بقضايا وطنه وأمته، وترجمة هذه الوعي عبر أعمال تقدم رؤية نافذة للواقع، وتحاول ما أمكنها تحويل نظر المشاهد إلى بعض الحقائق، وبالتالي التأثير في وعيه، ومساعدته على اجتياز هذا الممر المؤلم الذي اجتاح أقطار الوطن العربي، وأدخلها في أتون العنف والوحشية والموت.

الدراما التلفزيونية العربية غائبة عن أوطانها، وغائبة عن قضاياها، وغائبة عن دور الفن، وغارقة كأبشع ما يكون بالتفاهات الممجوجة، وتسخير بعض الفتيات اللاتي لا يملكن من مقومات الحضور الأنثوي الفني في الدراما سوى صورهن وأجسادهن، بعد العديد من عمليات التجميل المكشوفة! الفتيات هنّ وقود الدراما التلفزيونية، وكأن كل منتج منفذ في سباق لجلب أكبر عدد من الفتيات للعمل معه، حرصاً على إغراء الشباب بمتابعة المسلسلات! كما أن بعض المسلسلات، لا تجد من موضوع سوى التندر بالآخر العربي، لهجته وشكله وطريقه حياته، وكم هو كريه هذا التعريض بالآخر، والتسفيه من قيمته، لتأخذ كلماته أو جمله مشاهد بأكملها، وكأن لا شيء يشغل ذهن المشاهد سوى معايشة الرخص والسفه والإسفاف!

كل شيء متغير في العالم من حولنا، وكل شيء يقول بولادة مجتمع القرية الكونية، ومجتمع ثورة المعلومات وشبكات التواصل الاجتماعي و"اليوتويب". لذا فإن أكثر منْ يحتاج الى إدراك ذلك هو الفنان، كونه يمثل قرون الاستشعار في أي مجتمع، وكونه مطالبا بأن يقرأ ما خلف الظاهرة الاجتماعية، ويحاكي الجانب الحسن منها بغية الارتقاء به، ويسلط الضوء على الجانب السيئ بغية التنبية إليه.

إن الفنان الخليجي، عليه أن يدرك أنه يُشَاهَد في طول وعرض العالم العربي، وباقي دول العالم، وأن المتلقي البعيد عن دول الخليج سيظن أن ما يُقدم له هو محاكاة حقيقية للواقع، وبالتالي فإن بعض المسلسلات الخليجية تقدم صورة مخجلة تسيء الى المجتمعات الخليجية وتسيء الى إنسانها، ليس لأنها تكشف أمراض وعيوب المجتمع، بل لأنها تقدم فناً هابطاً إذا صح لنا أن نطلق عليه كلمة فن!