ساق البامبو الرواية التي حازت جائزة البوكر لهذا العام 2013، لكاتبها الشاب سعود السنعوسي، والتي تعتبر الرواية الثانية له، وآخر رواية قرأتها من الروايات الخمس التي كانت مرشحة للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية التي واظبت على قراءتها في كل عام منذ بداياتها الأولى، وأستثني منها رواية «عزازيل» ليوسف زيدان، ورواية «ترمي بشرر» لعبدو خال، ورواية «مولانا» لإبراهيم عيسى، فقط 3 روايات لم أقرأها من جميع ترشيحات القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، وكان رأيي في أغلبها أنها لا تستحق اسم هذه الجائزة التي ينتمي إليها كبار الكتاب العالميين، وأنه من الظلم أن تتساوى الموهبة الأدبية الخلاقة العالمية المبدعة بحق مع مواهب لا تملك نصف قامتها، لكن يبقى للعالم العربي حسابات تخضع لمعايير مختلفة قد لا تكون الموهبة العظيمة من ضمنها، لذا جاءتنا بأحكام لنقاد قد لا يملكون معايير جودة الإبداع التي تمكنهم من إصدار تحكيم مستند إلى أسس سليمة وحقيقية، وربما يكونون أيضاً قد وُجهوا من قبل التحكيم لوجه البلد الذي جاء دوره لنيل هذه الجائزة، وإن كنت أرى أن أفضل من نال جائزة البوكر وبجدارة هي الكاتبة السعودية رجاء عالم بروايتها «طوق الحمام»، فهي وحدها تستحق أن تكون قامة مبدعة بمقياس العالمية.
وتأتي هذا العام «ساق البامبو» لا تختلف عما سبقها، فالرواية التي تبلغ 400 صفحة كان ممكناً اختصارها إلى 200 من دون أن يهتز النص، فالجزء الأول الذي يتعلق بحياة بطل الرواية هوزيه أو عيسى الكويتي المولود من أم فلبينية كان بالإمكان اختصار حياته في الفلبين المليئة بحوارات طفولية ميتة ليست أكثر من حشو فائض أدى إلى ترهل النص، وأتذكر حين أعطتني صديقة هذه الرواية قالت: اعبري صفحات الملل واصبري عليها فالرواية جميلة، لكن كيف لرواية تحصد جائزة البوكر أن تمر على نصف صفحاتها مروراً عابراً لا يستوجب حتى التوقف عنده؟عندما نتعامل مع نص بهذه الطريقة فكيف يكون حكمنا عليه؟!!النصوص العظيمة لا تسمح لنا بالمرور العابر، ولا حتى بالقراءة السهلة المريحة، فالنص العظيم يمسك القارئ من تلابيبه ولا يتركه يهرب منه، ويجعل لكل كلمة وجملة وقفة هضم واستيعاب وتأمل تأخذ زمنها في القراءة التي تمنح امتزاجاً مع روح النص وأحاسيس القارئ، ولا تتركه يقف على مسافة المتفرج من الأحداث البعيد عنها تماماً، فهو لا يقرأها بدون أية انفعالات وكأنه يتفرج على فيلم بدون أدنى تفاعل معه لا عقلي لا روحي لا حسي، وهذا ما لم تفعله ساق البامبو التي تترك للقارئ مسافة ما بينه وبينها، سواء في النصف الأول الذي يدور في الفلبين والذي جاء بارداً بطبيعة بُعد الكاتب عن صدق معايشته للفلبين، لذا كانت مسافة القرب من القارئ فاترة جداً، بعكس النصف الثاني من الرواية التي تبين علاقة الفلبيني هوزيه بالكويت ونظرته إليها، والتي جاءت من خبرة الكاتب العميقة المعايشة لطبيعة بلده الكويت، لذا أصبح النص في الجزء الثاني أكثر قرباً من القارئ، وإن كان أيضاً هذا القرب على مسافة، لكنه أنضج من النصف الأول.النصف الثاني يتحول فيها هوزيه الفلبيني إلى خبير ضليع في فهم وتفكيك شفرة المجتمع الكويتي في فترة إقامة لم تتجاوز السنة، سجل فيها كل الأحداث التي مرت على الكويت وأيضاً عاداتها وتقاليدها بتوثيق من عركها.وهذه الجمل هي من رؤية الفلبيني الكويتي هوزيه:«1 - كل طبقة اجتماعية تبحث عن طبقة أدنى تمتطيها، وإن اضطرت إلى خلقها، تعلو فوق أكتافها، تحتقرها وتتخفف بواسطتها من الضغط الذي سببته الطبقة الأعلى فوق أكتافها». 2- «الشرطة لا تخيف أحداً هم يخافون كلام الناس، الكويت صغيرة يكاد كل فرد يعرف الآخر».3 - «ضاقت الكويت فجأة أصبحت بحجم عود ثقاب، لم أكن أحد أعوادها، تذكرت كلمتهم المتداولة الكويت صغيرة».4 - «التحديق في الآخر جزء من ثقافة المجتمع، الناس يحدقون في بعضهم البعض بطريقة غريبة، يشيحون بأبصارهم بعيداً إذا ما التقت أعينهم، ثم سرعان ما يعاودون الكرّة، يتفحص بعضهم بعضاً، التحديق في وجه الآخر رسالة من نوع ما كنت أعرف، علامة إعجاب أو دلالة رفض أو نتيجة استغراب».
توابل
ساق البامبو
23-12-2013