حرب إفريقيا الفعلية ضد المرأة
أعلنت «بوكو حرام» الأسبوع الماضي مسؤوليتها عن تفجير أودى بحياة أكثر من سبعين شخصاً في محطة حافلات في العاصمة النيجيرية أبوجا. ولم يحظَ هذا العمل الإرهابي بدوره باهتمام دولي يُذكر.
اختطف إرهابيون من حركة "بوكو حرام" التابعة لتنظيم "القاعدة" أكثر من مئة تلميذة نيجيرية تتراوح أعمارهن بين 15 و18 سنة. ولايزال العدد الأكبر منهن محتجزاً منذ اختطافهن قبل أسبوع... أوَلا يجب أن يشكّل هذا خبراً مهماً في رأيكم؟هذا ما يعتقده عدد من كبار الصحافيين. ولكن لم يصدر عن الأمم المتحدة أي تنديد يُذكر، فكم بالأحرى خطوات حاسمة؟ كذلك لم تتحرك المجموعات النسائية الأوروبية والأميركية. وبينما كنت أكتب هذا المقال، لاحظت أن عملية الخطف هذه لم تظهر على المواقع الإلكترونية لمنظمة العفو الدولية أو منظمة مراقبة حقوق الإنسان "هيومان رايتس ووتش". أما موقع Congressional Black Caucus، فعرض في قسمه المسمى In the News الخبر التالي: "المشرعون السود يناشدون وزارة الدفاع الأميركية بسبب حظر بعض قصات الشعر".ما مبرر عدم الاكتراث المتفشي هذا؟ أيعود ذلك إلى أن إفريقيا ونيجيريا (البلد الأكثر اكتظاظاً في القارة الذي صار يتمتع هذه السنة باقتصادها الأكبر) تبدوان بعيدتين؟ هل يتردد مَن أعلنوا نهاية "الحرب العالمية على الإرهاب" في توجيه الاهتمام نحو ساحة قتال ناشطة أخرى؟ أو لعل السبب أن الإقرار بأن اضطهاد مَن يعتبرون أنفسهم مجاهدين إسلاميين "للكفار" في عدد متنامٍ من الدول قد يبدد وجهة النظر الغربية العصرية المتعددة الثقافات؟إليكم بعض تفاصيل الاعتداء: في الساعات الأولى من الرابع عشر من أبريل، وصل موكب مؤلف من نحو 60 شاحنة ودراجة نارية إلى المدرسة الثانوية الحكومية للبنات في شيبوك في ولاية بورنو في شمال شرق نيجيريا.تنشط حركة "بوكو حرام" في هذه المنطقة منذ زمن. ففي مطلع شهر مارس، أقفلت المدارس أبوابها في كل أرجاء هذه الولاية بسبب الخطر الذي تشكله هذه المجموعة الإسلامية الإرهابية، التي يعني اسمها "التعليم الغربي حرام". ولكن قبل أيام، عاودت المدارس فتح أبوابها بغية السماح للطلاب بالخضوع للامتحانات ونيل الشهادات التي تسهل عليهم العثور على عمل.تشير بعض التقارير إلى أن الإرهابيين تنكروا في زي جنود وأخبروا الطالبات (ومعظمهن مسيحيات) أن الشاحنات ستقلهن إلى مكان آمن. وتذكر تقارير أخرى أنهن أرغمن على الصعود إلى الشاحنات بالقوة بعد معركة مع حراس الأمن في المدرسة، الذين لقي اثنان منهم حتفهما.رافقت الدراجات النارية الشاحنات إلى الغابة ومنعت الفتيات من القفز منها. لكن بعضهن نجح في الفرار بعدما تعطلت الشاحنات التي كن يركبنها. وأثناء كتابتي هذا المقال، تبين أن ما بين 20 و40 فتاة من الطالبات المئة والسبع المختطفات تمكن من الفرار. ولكن ماذا يفعل الإرهابيون بالطالبات اللواتي مازلن محتجزات؟ يستعبدونهن، ويرغمونهن على الطهو والتنظيف، وربما على تقديم بعض الخدمات الجنسية. فقد أخبرت فتاة مسيحية نيجيرية اختطفتها "بوكو حرام" في شهر نوفمبر الماضي وكالة "رويترز" أنها أُرغمت على اعتناق الإسلام وأنها استُخدمت "كطعم لاجتذاب الأعداء" الذين قُتلوا.أعلنت "بوكو حرام" أيضاً الأسبوع الماضي مسؤوليتها عن تفجير أودى بحياة أكثر من سبعين شخصاً في محطة حافلات في العاصمة النيجيرية أبوجا. ولم يحظَ هذا العمل الإرهابي بدوره باهتمام دولي يُذكر.منذ تأسيس "بوكو حرام" عام 2002، قتلت هذه الحركة الآلاف. وقد شكّلت المدارس والكنائس أبرز أهدافها. لكنها نفذت أيضاً اعتداءات ضد مساجد اعتبرت أن تعاطف أئمتها والمصلين مع قضيتهم الجهادية أقل مما يجب. كذلك استهدفت "بوكو حرام" في تفجير انتحاري عام 2011 مجمعاً تابعاً للأمم المتحدة في أبوجا.ورغم ذلك، يسود الاعتقاد بين اليسار أن هذا الصراع ينبع من الفقر وعدم المساواة، لا من العقيدة الإسلامية والرغبة في السلطة. يكتب سايمون أليسون من صحيفة Guardian البريطانية: "خذلت الدولة النيجيرية شعبها بوضوح. صحيح أن هذه الدولة تنعم بغنى نفطي كبير، إلا أن هذه الثروات لا تصل مطلقاً إلى الشعب، الذي مازال ينتظر الاستفادة بطرق عدة من الفوائد المادية لاستقلال نيجيريا. فمن لا يحاول في حالة مماثلة البحث عن بديل؟".لكن مقاربته هذه لا تنسجم مع التاريخ. فحين كنت مدير مكتب صحيفة "نيويورك تايمز" لغرب إفريقيا نحو منتصف ثمانينيات القرن الماضي، أمضيت فترة طويلة في نيجيريا. ورغم الفقر، كان المسلمون والمسيحيون يعيشون في وفاق. وعندما كان التوتر الطائفي ينشأ، قلما كان يأخذ منحى عنيفاً، حتى إن الشمال المسلم بدا أكثر أماناً من الجنوب المسيحي الذي عمته الفوضى. فماذا تبدّل؟ أولاً، شهدت المنطقة حملة قوية لنشر التعصب الإسلامي مولتها إلى حد كبير إيران وبلدان أخرى.يتأسف أليسون أيضاً لأن الرئيس النيجيري غودلاك جوناثان "تخلى عن كل أشكال الدبلوماسية". نعم، إذا جلس الدبلوماسيون النيجيريون إلى طاولة واحدة مع مستعبدي طالبات مراهقات وتناقشوا في ما يعانونه من مظالم، تُحلّ كل هذه المشاكل حبياً. إن صح ذلك، فربما على الدبلوماسيين البريطانيين والأميركيين دعوة قادة تنظيم "القاعدة" للانضمام إلى المحادثات في جنيف أيضاً.يستطيعون، مثلاً، التقرب من ناصر الوحيشي، الرجل الثاني في عمليات القاعدة العالمية. فقد ظهر الوحيشي أخيراً في بث مصور لاجتماع رفيع المستوى لتنظيم "القاعدة" في اليمن عُرض على المواقع الإلكترونية الجهادية. وقد أوضح خلال مخاطبته قادته أن هدف منظمته ضرب الولايات المتحدة مرة أخرى. ذكر في إشارة إلى ما يعتبره رمز القوة المسيحية: "علينا التخلص من الصليب، وحامل الصليب هي الولايات المتحدة".تفتخر حركة "بوكو حرام" بأنها أحد فروع "القاعدة" في إفريقيا إلى جانب "القاعدة" في المغرب الإسلامي، و"حركة الشباب" في الصومال. فقد أخبر أبو كاكا، متحدث باسم "بوكو حرام"، مراسلين في نيجيريا عبر الهاتف في شهر نوفمبر الماضي: "نحن موحدون مع القاعدة. يروّج هذا التنظيم لقضية الإسلام، مثلنا تماماً. لذلك يساعدوننا في نضالنا، ونحن نساعدهم أيضاً".علاوة على ذلك، أقسم أبو بكر شيكاو، زعيم بوكو حرام، أن حركته ستتمكن في المستقبل القريب "من مواجهة الولايات المتحدة الأميركية بسهولة". صحيح أن معظم المحللين يعتبرون هذا مجرد خداع، إلا أن إدخال بعض الإرهابيين من نيجيريا إلى الولايات المتحدة لا يشكّل عملية بالغة الصعوبة والتعقيد. وتزداد هذه العملية سهولةً عندما تغض مجموعات المراقبة النظر.Clifford May