عجيب أمر الناس في أحيان كثيرة، يطالبون بالأمر ثم ينتقدونه إذا ما حدث، وكأن جزءاً من الرأي العام قد قرر أن يعيش على المتناقضات. في مصر على الرغم من ارتفاع أصوات الكثيرين خلال الفترة الماضية، بالمطالبة بتغيير الحكومة التي حملت اسم حكومة "الببلاوي" باعتبار رئيسها كان الدكتور حازم الببلاوي، واستبدال بعض الوزراء الذين لم يقوموا بما أمله الشعب منهم بعد ثورة 30 يونيو، إلا أن معظم هذه الأصوات عاد للارتفاع مرة أخرى احتجاجاً على إقالة حكومة الببلاوي التي لم تستطع أن تلبي احتياجات ومتطلبات الفترة الصعبة التي تمر بها مصر.

Ad

 وعلى الرغم من دلالة ما سبق، وهو أن البعض يعارض أي قرار يصدر، إلا أن الحقيقة هي أن البلد في حاجة ماسة إلى حكومة جديدة تستطيع أن تعبر بالبلاد المرحلة الصعبة القادمة. لا أحد يستطيع أن ينكر أن حكومة الدكتور حازم الببلاوي تشكلت في فترة حرجة، عقب سقوط نظام "الإخوان"، الذي خرب البلاد، ولا شك أيضاً أن هذه الحكومة تحملت المسؤولية في فترة صعبة، واستطاعت أن تتخذ قرارات صعبة مثل فض اعتصامي رابعة وإعلان "الإخوان" جماعة إرهابية، وأن تعيد الثقة الدولية بالاقتصاد المصري بعض الشيء، لكن الحقيقة أيضاً أن الحكومة أصبحت في الفترة الأخيرة تعاني مشاكل كثيرة لم تستطع أن تقدم فيها حلاً، بداية من الإضرابات المتوالية في شركات القطاع العام، مروراً بأزمات انقطاع الكهرباء والمياه والصحة، ومظاهرات الجامعات وغيرها.

الأهم أن هذه الحكومة كانت قد تشكلت على مبدأ "المحاصصة السياسية" بين بعض القوى السياسية وإيجاد قدر من الترضية لبعض هذه القوى، وهو الأمر الذي نتج عنه وجود بعض الوزراء الذين شكلوا قدراً من الإعاقة في حركة الحكومة، وسببوا قدراً ملحوظاً من الإحباط لدى الرأي العام.

 كل هذا دفع لأن تكون هناك حاجة ماسة لتشكيل حكومة جديدة، برئاسة واحد ممن شهد لهم الجميع بالكفاءة خلال الفترة الماضية إبان عمله وزيراً للإسكان، لمساهمته في حل الكثير من المشاكل المتعلقة بهذا القطاع، فضلاً عن نشاطه وحركته الدائمة، وأيضاً ما حظي به من شعبية نتيجة أسلوبه في إدارة الأمور، فقد بدا أمام المصريين مشمراً ذراعيه وسط مهندسيه وعماله وسط الناس، وهو ما تحتاجه مصر في الفترة المقبلة.

 الحاجة الماسة لتشكيل حكومة جديدة تتبدى في الحاجة إلى حكومة تستطيع التصدي لعنف الجماعات المسلحة في الشارع المصري، والتي تستهدف السياح والمواطنين الآمنين في سيناء، حكومة تستطيع أن تعيد الأمن إلى الجامعات، وتعيدها دور علم لا دور عنف وإرهاب كما حولها تنظيم "الإخوان"، حكومة تستطيع أن تتعامل مع الإضرابات الفئوية التي تبدو وكأنها منظمة، والتي تضرب الاقتصاد المصري، وتستطيع أن تحل مشاكل العمال، حكومة تستطيع أن تتفاعل مع المواطن، وتحل مشاكله، لا أن تكتفي بالتنظير من خلال شاشات التلفزيون، دون تقديم حلول عملية على أرض الواقع.

دور الحكومة القادمة لا يقل أهمية عن الدور الذي لعبته حكومة الدكتور الببلاوي بعد ثورة 30 يونيو والإشراف على الدستور، إذ إن على حكومة دكتور محلب أن تقوم بالإشراف على الخطوة الثانية في خارطة الطريق، وهي الانتخابات الرئاسية المنتظرة خلال الفترة المقبلة، وهي الخطوة التي تحتاج إلى استعدادات مكثفة، مع الحشد المضاد الذي يقوده تحالف تنظيم "الإخوان" ضد الدولة، وضد أن تسير خطوة واحدة إلى الأمام.

 مصر في حاجة إلى حكومة جديدة يستطيع بها الرئيس القادم أن يكمل انطلاق مصر للأمام، وإكمال الخطوات التي اتخذت من قبل، حكومة تهتم في الأساس باحتياجات المواطن العادي، ويكون تحقيق الأمن على رأس أولوياتها مع المسيرات اليومية لتنظيم الإخوان لمحاولة هز صورة الأمن في البلاد، والاهتمام بحل مشاكل الأجور والحد الأدنى وتطبيقه، حكومة تصارح الشعب بحقيقة الوضع الاقتصادي في البلاد، وتدعوه إلى البناء جوارها، يداً بيد، حتى تستطيع مصر أن تعبر المرحلة القادمة.