«اتحاد كتاب مصر» في أزمة... قاعات خالية من جمهور الأدب والثقافة
شهدت كواليس «اتحاد كتاب مصر»، مناوشات بين شعراء العامية والقيمين على المطبوعات الأدبية، وتعثر إصدار العدد الأول من مجلة «شعر العامية»، ليفتح ذلك كله الأزمات المتراكمة لأداء هذا الكيان الثقافي العريق، وغياب دوره في مجال نشر الإبداع الشعري والقصصي والروائي، وتهميش الشعر الشعبي بلهجاته العربية.
لفت الشاعر ناصر دويدار إلى قرار «شعبة شعر العامية» برئاسة الكاتب الأمير أباظة، بإصدار مطبوعة تختص بهذا اللون الشعري، وفتح نافذة لشعراء كثيرين على الساحة الأدبية، وليس بالضرورة أن يكونوا أعضاء في الاتحاد، والتواصل مع شعراء عرب يكتبون بلهاجاتهم المختلفة، ويشكلون حضوراً متميزاً في المشهد الإبداعي. أشار دويدار إلى تعثر إصدار العدد الأول من «مجلة شعر العامية»، وغموض موقف مجلس إدارة الاتحاد في تهميش لون إبداعي يشكل ضمير الشارع المصري، ويؤدي دوراً مؤثراً في المراحل التاريخية المصيرية، ويشكل وجدان الأمة ووعيها. وفي المقابل، أصرَّ شعراء كثر على خروج تلك «المطبوعة» إلى النور، حتى لو طبعت على نفقتهم الخاصة، واستعادة دور الكتاب المقروء، ومواجهة حالة الانفلات الشعري في مواقع الإنترنت، وإرساء معيار الموهبة، والتواصل مع إبداعات الشباب الجيدة. من جهته، أكد الكاتب الأمير أباظة أن «شعبة شعر العامية» خصصت بريداً على شبكة الإنترنت لتلقي قصائد الشعراء والدراسات النقدية لكل ما يتعلق بالشعر العامي والشعبي في مصر وغيرها من الدول العربية، وفتح أبواب المجلة للمواهب الشابة، والتعريف بأجيال من المبدعين الرواد. يذكر أن «شعبة شعر العامية» في اتحاد كتاب مصر، قررت تشكيل مجلس تحرير للمجلة من الكاتب الأمير أباظة «رئيس الشعبة»، وكل من الشعراء محمد عبد القوي (مقرر الشعبة)، سونيا بسيوني، رانيا النشار، ودسوقي الخطاري وأحمد السندباد وإبراهيم حامد، ويترأس تحريرها ناصر دويدار. في هذا السياق، توقف مشروع إصدار الكتب الأدبية، والذي بدأه رئيس الاتحاد الأسبق الكاتب الراحل فاروق خورشيد، واختفت في الأدراج مشاريع أخرى كإقامة مساكن للأدباء، والصندوق الاجتماعي، والانتقال إلى مقر جديد في أحد الأحياء الشعبية في القاهرة. قاعات خاليةمن جهة أخرى، تسلّم الكاتب محمد سلماوي رئيس اتحاد كتاب مصر، تركة ثقيلة من الأزمات لهذا الصرح الثقافي العريق، وتراجع الدور الترويجي للأنشطة والفعاليات في المقر الهادئ في حي الزمالك في القاهرة، وباتت الندوات والأمسيات الشعرية في قاعات خالية من جمهور الشعر والأدب.رغم أهمية كثير من الفعاليات، تظل الأزمة قائمة في صعوبة التواصل مع محبي الثقافة والإبداع، وجذبهم لارتياد مقر الاتحاد، ومن بينها ندوة أقيمت أخيراً بعنوان «العراق بين ثقافتين في ظل المتغيرات المعاصرة»، حضرتها نخبة من المفكرين العرب، ولم يتوافر لها التواصل الكافي مع الجمهور.ويظهر بشكل لافت غياب مطبوعة ثقافية تليق بمكانة اتحاد كتاب مصر، والاكتفاء بإصدار نشرة غير دورية بإمكانيات محدودة، واختفاء البرامج الطموحة لتفعيل دور الاتحاد في الحياة الثقافية، وتلبية مطالب آلاف الأعضاء من أدباء وشعراء ونقاد، ودخول البعض في صراعات على مكاسب صغيرة كالمناصب والسفر إلى الخارج.إدارة الاتحاد وضعت شروطاً فضفاضة للعضوية، وشددت على أن يكون للعضو كتابان مطبوعان أو أكثر، فيما رأى البعض أن أعضاء كثيرين لا ترقى أعمالهم إلى المستوى المطلوب، وغاب استقطاب أصحاب المواهب الحقيقية من شعراء وروائيين ونقاد.ويدور الأعضاء في متاهة العضوية العاملة والمنتسبة، والخضوع لبيروقراطية التظلمات، وانتظار قبول أو رفض لجنة القراءة، والوعود بحل أزمات نشر أعمالهم الأدبية، وإصدار مطبوعة ثقافية تليق بمكانة الاتحاد ودوره الريادي بين سائر اتحادات الكتاب العربية.من جهة أخرى، تعامل الاتحاد مع الظروف الاجتماعية للأعضاء بشكل يفتقر إلى التقنين، وحماية حقوق أعضائه الأدبية والإنسانية، باستثناء حالات فردية، وفي غياب كبير لدوره النقابي، والمعني بتحسين مستوى الأدباء المعيشي، ورعاية المواهب الناشئة، والخروج من مركزية النشاط في المقر الرئيس، وفتح فروع للاتحاد في ربوع مصر. من جهة أخرى، يشكل المشهد الانتخابي لمجلس إدارة الاتحاد، بحالة استثنائية للحضور، وزحام شديد في أروقة المقر الهادئ، وظهور تكتلات متصارعة للفوز بأصوات الأعضاء، وبرامج حالمة تدغدغ حواس الناخبين، وبعد الاقتراع ينتهي الضجيج، وتظل أفكار تطوير اتحاد كتاب مصر حبيسة أدراج مغلقة. يُذكر أن اتحاد كتاب مصر تأسس في سبعينيات القرن الماضي، وترأسه الكاتب الراحل يوسف السباعي، وضم في بدايته رموز أدب كثيرين أمثال نجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس ورجاء النقاش وجمال الغيطاني وأحمد عبد المعطي حجازي ويوسف القعيد، وغيرهم.وتولى رئاسته عبر مراحل مختلفة أدباء وكتاب كبار، أمثال توفيق الحكيم ويوسف السباعي وثروت أباظة وسعد الدين وهبة وفاروق خورشيد ومحمد سلماوي، وترأسه فخرياً الروائي الكبير نجيب محفوظ.