فجر يوم جديد: {نوادي الثقافة السينمائية} !
تشهد دولة تونس اهتماماً رسمياً وشعبياً بنوادي السينما، وتُدرك مكانة السينما / الصورة في تنمية المجتمع، وبناء المواطن؛ مذ قاد التونسي الراحل {الطاهر شريعة} مبادرة تدشين {أيام قرطاج السينمائية} عام 1965، وأسس قبلها الجامعة التونسية لنوادي السينما، التي أدت دوراً كبيراً في نشر الثقافة السينمائية، وتوجيه الأنظار إلى {سينما المؤلف}، وطرح ملفات {سينما الجنوب} على مائدة البحث، فيما احتفلت الدولة بمرور مائة سنة على تأسيس الجامعة الدولية ونوادي السينما، وحرصت على أن تُسهم في تأسيس الجامعة الدولية لنوادي السينما، والجامعة الفلسطينية لنوادي السينما. هكذا فعلت تونس في حين تشهد حركة نوادي السينما في مصر، في الوقت الراهن، تراجعاً ملحوظاً، وتدهوراً مخيفاً للدور الحيوي، الذي تؤديه الجمعيات والنوادي السينمائية، في ما يتصل بالبناء الثقافي للمواطن، وتوظيف الإبداع كسلاح فاعل يوثق العلاقة بين الصورة والمجتمع، وهو الدور الذي تحقق، بالفعل، على يد جمعية الفيلم (تأسست عام 1960)، ونادي سينما القاهرة (تأسس عام 1967)، ومن قبلهما نادي الفيلم المختار الذي يُعد بمثابة {الأب الروحي} لنوادي السينما المصرية، ولم يعد له وجود في الوقت الراهن، فرغم الزيادة الهائلة للنوادي التي تأسست في الأعوام الأخيرة؛ مثل نادي سينما جيزويت القاهرة، نادي سينما أوبرا القاهرة، نادي مركز سينما الحضارة بالأوبرا، نادي بيت السينما، نادي سينما الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما ونادي السينما بمركز طلعت حرب الثقافي، الذي يمكن القول إنه الأكثر فاعلية وتأثيراً؛ كونه يقع في بيئة شعبية (منطقة زينهم بحي السيدة زينب) ويستهدف شريحة اجتماعية واقتصادية في أمس الحاجة لمن يخاطبها، ويقدم لها خدماته الثقافية المتنوعة، إلا أن النشاط السينمائي الحقيقي للأندية، التي تهافت البعض على تأسيسها، يكاد يكون منعدماً تقريباً، ولا يحقق الهدف المنشود على الإطلاق.
تفرغت النوادي، التي دُشنت أخيراً، للثرثرة، والمناقشات العقيمة التي ينتهي مفعولها بانتهاء عرض الفيلم، الذي يمثل اعتداءً صارخاً على حقوق الملكية الفكرية؛ إذ يُعرض عبر الأقراص المدمجة في جريمة {قرصنة} مكتملة الأركان، وفشلت في إصدار نشرة تتناول الفيلم المعروض بالنقد والبحث والتحليل، والتحول إلى مصنع تخريج أقلام نقدية شابة، كذلك فشلت في عرض أفلام عالمية بعيداً عن الأفلام الأميركية التي أدمنت شركات التوزيع استيرادها، وفرضها على الذوق المجتمعي، ثم عجزت عن التعريف بالرموز السينمائية المعاصرة، مثلما كان يفعل نادي سينما القاهرة، عبر تنظيم أسابيع للأفلام، وتوجيه دعوة، رغم إمكاناته المالية الضعيفة، إلى مخرجي السينما العالمية للحضور إلى القاهرة، ومشاركة أعضاء النادي في ندوات نقاشية حول أفلامهم، ومدارس السينما في العالم، ونجح، في فترة ما، في توسيع دائرة محبي السينما وعشاقها، من خلال إصدار مطبوعات تهتم بنشر الثقافة السينمائية. من هنا أسجل فرحتي وسعادتي بالمبادرة التي تقودها شركة أفلام مصر العالمية (يوسف شاهين وشركاه) بعنوان {زاوية}، ويتم، بمقتضاها، تخصيص قاعة لعرض {السينما البديلة}، التي تُصنع في مصر والدول العربية، والاحتفاء بنتاجات من جنسيات عالمية مختلفة، وإلقاء الضوء على المدارس السينمائية المتنوعة، ونشر الثقافة السينمائية المعاصرة، من خلال عروض أسبوعية، وأنشطة تعليمية وترفيهية، تنظمها المخرجة والمنتجة ماريان خوري، التي توجه الأنظار إلى الأفلام المستقلة، وتتيحها لمن يود مشاهدتها، وبهذا تشجع المخرجين الشباب، المصريين والعرب، على تجاوز أزمة تجاهل أصحاب صالات العرض التجارية لأفلامهم، وتُسهم في تسويق أعمالهم، وتنظم فعاليات خاصة، بالتزامن مع عروض الأفلام، تتمثل في ورش عمل، فضلاً عن الندوات التي تُقام عقب العروض مع أصحابها . مبادرة {زاوية} تضم، أيضاً، برنامجاً بعنوان {التعليم والسينما} يهدف إلى المزج بين التعليم والترفيه، عبر التعاون مع المدارس والجامعات المصرية، لنشر التعليم من خلال السينما لمساعدة الأجيال الشابة على تطوير الحاسة النقدية والتحليلية لديهم. ويبقى أن تضم مبادرة {زاوية} ورش عمل في نقد الأفلام وتحليلها، وكتابة السيناريو، ليكتمل دورها الحيوي والمهم، وتُصر على القيام به، بدأب وحماسة، المخرجة والمنتجة ماريان خوري، التي أشدنا، في العدد 1757 بتاريخ 12 أكتوبر 2012، بعقليتها، ونشاطها، وتحركاتها الفردية، ووصفناها بأنها {امرأة بألف رجل}، بعد نجاحها الكبير والباهر في تنظيم {بانوراما الفيلم الأوروبي}، التي صارت إحدى أهم الفعاليات السينمائية، والأحداث الثقافية، في مصر منذ افتتاحها عام 2004، بل يمكن القول، من دون مبالغة، إنها تتفوق، في عقليتها المُرتبة، وإدارتها الحكيمة والرشيدة للفعاليات التي تُنظمها، على التظاهرات التي تنظمها وزارة الثقافة، وأجهزتها المترهلة، التي تحكمها {البيروقراطية}، ويُفسدها {الروتين}، ويُسيطر عليها {المرتشون}، وربما يكمن سر نجاح {ماريان} في كونها تعتمد، في المبادرات التي تقودها، على {التمويل الذاتي، وتتحرر من التمويل الحكومي، ومن ثم لا تضع رقبتها تحت مقصلة {الفاشلين}!