في طبعة فاخرة من القطع المتوسط تقع في 172 صفحة، صدر عن سلسلة  «مونوغراف مركز دراسات الإسكندرية وحضارة البحر المتوسط» التابعة لمكتبة الإسكندرية، كتاب «مدرسة الإسكندرية للتصوير السينمائي»، إعداد سامي حلمي وإبراهيم الدسوقي وتقديم مدير التصوير المعروف محسن أحمد، ويبحث، كعادة النقاد السكندريين، عن النقاط المجهولة في تاريخ السينما المصرية؛ خصوصاً البدايات في الإسكندرية؛ حيث يحاول الكتاب الإجابة على السؤال الحائر: «هل هناك مدرسة اسكندرية للسينما؟».

Ad

  اجتهد الناقدان في البحث والتنقيب في أصول بدايات صناعة السينما في الإسكندرية وجذورها، سعياً وراء توثيق خصائص وأسلوب مدرسة التصوير، التي وجدت لنفسها مكاناً على أرض الإسكندرية من خلال المصورين الأجانب: عزيز ودوريس، أورفانيللي وكياريني، بالإضافة إلى توثيق الدور الكبير الذي لعبه مدير التصوير المصري عبد الحليم نصر وشقيقه محمود، ورصدا شجرة عائلة مصوري مدرسة الإسكندرية في التصوير السينمائي. كذلك اشتمل الكتاب (البحث) على «فيلموغرافيا» شاملة عن أعمال رواد فن التصوير السينمائي في مصر من الأجانب والمصريين.

  يتكون الكتاب من أربعة فصول؛ أولها بعنوان «أومبرتو دوريس: المعلم الأول»، ويتوقف عند وصول البعثة الأولى من دار لوميير إلى الإسكندرية في مارس من العام 1879، ثم البعثة الثانية في العام 1906، والدور الذي لعبه عزيز ودوريس المصوران الشهيران في الإسكندرية في تلك الفترة؛ حيث تأسست الشركة الإيطالية المصرية للسينما الفوتوغرافية في العام 1917، على يد الإيطالي السكندري أمبرتو دوريس، وتلميذه النجيب ألفيزي أورفانيللي، الذي يفرد له الناقدان الفصل الثاني من الكتاب، فيشيران إلى جذوره الإيطالية، ومولده في الإسكندرية، وعمله كصبي لدى محلات عزيز ودوريس ثم مشغّل لإسطوانات بعض الأفلام الصامتة  في سينما عزيز ودوريس، لكنه لم يتصور أنه سيصبح واحداً من أهم رواد السينما المصرية وصُناعها؛ ففي أعقاب إغلاق «دوريس» الشركة التي يملكها، نجح «أورفانيللي» بتدشين شركة خاصة، ومحل للفوتوغرافيا جهزه بأحدث أجهزة تصوير السينماتوغراف، ومعامل للتحميض والطبع والمونتاج، ثم أضاف أجهزة لالتقاط الصوت.

تفوق التلميذ على أستاذه، بدليل أن أورفانيللي قدم، كمصور سينمائي، فوزي وإحسان الجزايرلي وتعاون مع كثير من المدارس الإخراجية؛ مثلما فعل مع توغو مزراحي، حسين فوزي، حسن الإمام، بركات، يوسف شاهين، نيازي مصطفى وحسام الدين مصطفى.. وآخرين؛ ففي الفترة من 1951 حتى 1961 قدم حوالى 42 فيلماً أهمها: «ابن النيل»، «باب الحديد»، «رصيف نمرة 5»، «حسن ونعيمة»...  وطوال الوقت كان يحمل، كما وصفه الناقدان، جينات مصرية حقيقية، وأحد المحافظين على صورة مدرسة الإسكندرية في التصوير السينمائي.

  «تلميذ الخواجة» عنوان الفصل الثالث، الذي رصد مسيرة الرائد عبد الحليم نصر مذ هجر، وهو في السابعة عشر من عمره، محل التصوير الذي يملكه والده، والتحق بالعمل لدى ألفيزي أورفانيللي؛ حيث تحول على يديه من مصور فوتوغرافي إلى مصور سينمائي، ووثق فيه «الخواجة»، وكلفه بتصوير بعض الاحتفالات في الإسكندرية، كالمباريات الرياضية بين الكليات والمدارس، وختام العام الدراسي، وعمل كمساعد لأستاذه في فيلمي «أولاد مصر» و{المندوبان» لتوغو مزراحي بأجر لا يتعدى السبعة جنيهات في الشهر، وعندما طلب رفعه إلى تسعة جنيهات رفض «أورفانيللي»، فما كان منه سوى أن ترك العمل لديه، ولم ينقذه من البطالة سوى توغو مرزاحي!

  مرة أخرى، وكما حدث مع أورفانيللي، قدم الناقدان فيلموغرافيا كاملة للأفلام التي صورها عبد الحليم نصر، من بينها 32 فيلماً من إخراج توغو مزراحي فضلاً عن أفلام: «الزوجة الثانية، يوميات نائب في الأرياف، الأرض، الخوف، خلي بالك من زوزو والنداهة».

 في الفصل الرابع والأخير من كتاب «مدرسة الإسكندرية للتصوير السينمائي»، كشف الناقدان إبراهيم الدسوقي وسامي حلمي عن «أسطوات تصوير المدرسة»؛ مثل: ديفيد كورنيل، توليو كياريني، أشلي بريمافييرا، جوليو دي لوكا، فيري فاركاش، كليليو شيفشفيللي، محمود نصر، بونو سالفي، إبراهيم لاما وإبراهيم شيب، أصحاب البصمات الكبيرة على الصناعة، ممن كانوا النواة أو الموجة الأولى؛ بما امتلكوا من حرفية وبراعة في استخدام الكاميرات، أدوات التحميض والإضاءة، ونضوج استخدامها لتمكنهم من إتقان أكثر من لغة أجنبية، كالإيطالية والفرنسية .

  اعترف الناقدان، في تواضع جم، أن ما قدماه ليس سوى محاولة لتأصيل دور هؤلاء الرواد، وإلقاء الضوء على البدايات، عبر الوثائق المتاحة، التي أكدا أنها غير مكتملة، لكن التواضع بلغ مداه عندما سجلا أنهما لم يبلغا درجة الكمال، بل أضاءا شمعة يمكن أن تنير الطريق للآخرين نحو استكمال مسيرة مفقودة في تاريخ السينما المصرية .. وصدقاً بالفعل؛ فالطريق ما زال وعراً وينتظر من يملك إرادة وإصرار وعزيمة إبراهيم الدسوقي وسامي حلمي .