الإسلام دين الدولة

Ad

نصت المادة الثانية من دستور2012 على أن: "الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع".

ومن الإنصاف أن نقول إنه كان هناك ما يشبه الإجماع في الجمعية التأسيسية على هذا النص وعلى حكمه، ليس من التيار الإسلامي فحسب بل من القوى السياسية الليبرالية، والكنيسة أيضاً، قبل انسحابهما من الجمعية. لأن الإسلام دين حضارة ودين حرية، ودين يعترف بالآخر، وبالأديان السماوية جميعا، ويؤمن بحرية العقيدة في قوله تعالى "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"... وقوله "فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ".

مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع

ولم يكن هناك خلاف أيضا حول أن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع فى دستور 2012.

وهو نص مطابق للنص الوارد في المادة الثانية من دستور 1971 بعد تعديله في الاستفتاء الذي جرى على هذا التعديل في 1980/5/22.

ولكن الخلاف كان حول تعريف مبادئ الشريعة الإسلامية وما نجح فيه التيار الإسلامي من تعريف لهذه المبادئ في المادة 219 من أنها تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنّة والجماعة.

التعديل الوارد فى دستور 2014

وقد جاء دستور 2014 موفقاً غاية التوفيق، عندما أبقى على المادة الثانية من الدستور، كما هي، فالإسلام دين الدولة، ومبادئ الشريعة الإسلامية لا تزال هي المصدر الرئيسي للتشريع.

ولكن دستور 2014 صحح خطأ وقع فيه تعريف دستور 2012 لمبادئ الشريعة الإسلامية في المادة 219، بأن حذف حكم هذه المادة من الوثيقة الدستورية الجديدة، التي سيجري الاستفتاء عليها في 8 يناير خارج مصر وفي 14 و15 يناير في ربوع مصر، ليستبدل بهذا التعريف، الإحالة إلى ما استقرت عليه أحكام المحكمة الدستورية العليا في مصر من تعريف لمبادئ الشريعة الإسلامية، بما ورد في ديباجة الوثيقة الدستورية من أننا "نكتب دستوراً يؤكد أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وأن المرجع في تفسيرها هو ما تضمنه مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا في ذلك الشأن".

تعريف المحكمة الدستورية

وكانت المحكمة الدستورية العليا في مصر قد عرفت مبادئ الشريعة الإسلامية بأنها:

المبادئ قطعية الثبوت والدلالة

"القطعية في ثبوتها ودلالتها، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها التي يكون الاجتهاد فيها ممتنعا لأنها تميل من الشريعة الإسلامية مبادئها الكلية وأصولها الثابتة التي لا تحتمل تأويلا أو تبديلا، ومن غير المتصور تبعا لذلك أن يتغير مفهومها بتغير الزمان والمكان أو هي عصية على التعديل ولا يجوز الخروج عليها أو الالتواء بها عن معناها، وتنصب ولاية المحكمة الدستورية العليا في شأنها على مراقبة التقيد بها وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها.

أما الأحكام الظنية غير المقطوع بثبوتها أو دلالتها أو هما معا فتنحصر دائرة الاجتهاد فيها، وهى بطبيعتها متطورة تتغير بتغير الزمان والمكان، لضمان مرونتها وحيويتها، ولمواجهة النوازل على اختلافها، تنظيما لشؤون العباد بما يكفل مصالحها المعتبرة شرعاً، بما تقوم عليه المقاصد العامة للشريعة من الحفاظ على الدين والنفس والعقل، (الحكم الصادر بجلسة 19/12/2004- القضية رقم 1129 لسنة1921 قضائية دستورية)".

بين فتح باب الاجتهاد وغلقه

والواقع أن التعريف الذي أرسته المحكمة الدستورية العليا لم يغلق باب الاجتهاد- كما زعم التيار الإسلامي في الجمعية التأسيسية- لأنه كان مغلقا منذ القرن الرابع الهجري، ولقد قطع ما بين حاضرنا الإسلامي وماضينا المجيد قرون من الجمود والتعصب وسوء الظن بكل جديد، فكان الاجتهاد قرين الإلحاد وكان العقل والمنطق زندقة، على الرغم من أن الإسلام دين حضارة لا يعرف التخلف ولا الجمود، وأن الحضارة تبدأ بالمعرفة والعلم.

بل على العكس من ذلك فإن المحكمة الدستورية العليا فتحت باب الاجتهاد على مصراعيه في إطار من المقاصد العامة للشريعة، في الأحكام غير المقطوع بثبوتها أو دلالتها، عندما قضت المحكمة الدستورية العليا "بأنه إذا كان الاجتهاد حقا لأهل الاجتهاد فأولى أن يكون هذا الحق ثابتا لولي الأمر يستعين عليه في كل مسألة بخصوصها وبما يناسبها من أهل النظر في الشؤون العامة، إخمادا للثائرة وبما يرفع التنازع والتناحر ويبطل الخصومة (2/1/1999 في القضية رقم 102 لسنة 9)".

المقاصد الخاصة للجماعة

إلا أن الجماعة كان لها مقاصدها الخاصة في هذا التعريف المترهل، هو أن تصبح المبادئ العامة للشريعة الإسلامية هي المصدر الوحيد للتشريع، لتتحول مصر إلى دولة دينية، وليتحول الحكم إلى سلطة استبدادية، يجمع فيها الحاكم كل سلطات الدولة في يده، بما في ذلك سلطة التشريع، وقد آلوا على أنفسهم أن يحكموا مصر إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وهو فكر قديم لجماعة الإخوان نشأ مع نشأتها.

وقد كشف عن هذا الفكر مرشدها العام الأسبق، المرحوم المستشار حسن إسماعيل الهضيبي، الذي تولى الإرشاد بعد اغتيال المرحوم حسن البنا، عندما دعي إلى اجتماع اللجنة التشريعية بمجلس الشيوخ، بصفته أحد مستشاري محكمة النقض الذين تمت دعوتهم مع بعض رجال القانون لإبداء آرائهم في مشروع القانون المدني، ما قد يرونه من تعديلات على المشروع.

وإلى مقال قادم ننقل فيه الحوار الذي دار بينه وبين رئيس وأعضاء اللجنة بالحرف الواحد من محضر اجتماع اللجنة في جلستها المعقودة بتاريخ 30 مايو سنة 1948.