«في الشعر وترجمته» لخالدة حامد... الخيانات الجميلة

نشر في 26-03-2014 | 00:01
آخر تحديث 26-03-2014 | 00:01
No Image Caption
صدر أخيراً عن منشورات الجمل كتاب {في الشعر وترجمته}، يتضمن مجموعة من المقالات نشرت في مجلة {إيلاف} الالكترونية،  تتناول ترجمة الشعر من لغة إلى لغة. الكتاب من إعداد خالدة حامد وترجمتها وتقديمها.

في مقدمتها للكتاب تعتبر خالدة حامد أن الشعر لا يترجمه إلا شاعر. فالصعوبة تكمن في نقل كلمات شاعر ما من لغة إلى لغة أخرى، لا سيما أنها تعتمل بروح ذلك الشاعر وأنفاسه. كل كلمة من كلمات قصيدته تحمل معها شيئاً منه، يخصه هو. وهذا ما دفع كثيرين إلى وصف الترجمة بأنها فن التجلي، لأنها تجعل من المجهول معلوماً. ولابد هنا من أن تكون الحمى التي تحرق الشاعر معدية كي يصطلي بها المترجم أيضاً. فأن تترجم قصيدة ما من ثقافة أخرى، أفق آخر، روح أخرى، لغة أخرى يعني في الحقيقة أن تكتب قصيدة جديدة. ولهذا يصعب العثور على ترجمتين مماثلتين لقصيدة واحدة.

روح الشعر

يصف عزرا باوند ثلاثة جوانب للشعر هي: الموسيقى والخيال ورقص العقل بين الكلمات، ويعتبر الجانب الأخير روح الشعر. من هنا نستشف أن ثمة جوانب لا ملموسة ولا مرئية، يعج بها عالم الشعر، تجعل نقله إلى لغة أخرى شبه مستحيل، بينما يقول الشاعر الألماني ريلكه إن الترجمة قلب الشاعر النابض، ويكتب في مرثيته الثامنة أنه {حينما يعود الشاعر من منحدرات الجبل متوجهاً نحو الوادي فإنه لا يجلب معه حفنة من تراب الأرض يتعذر على الآخرين الإتيان بها، بل محض كلمة فاز بها. ربما نحن نقول: منزل، جسر، نبع، بوابة، إبريق، شجرة مثمرة، نافذة... وربما كان أقصى ما نقوله هو: عمود، برج.... لكنك كي تقولها عليك أن تفهم. يااااه! عليك أن تقولها بكثافة أكبر مما حلمت به الأشياء نفسها عند وجودها}.

تلفت خالدة حامد إلى أن ترجمة القصيدة إلى لغة أخرى خيانة للقصيدة الأصل، لا سيما حين يتلاعب المترجم بشكل القصيدة ومضمونها. فشعراء كثر يبدون أهمية بالشكل الذي تبدو عليه القصيدة فوق الصفحة. يذكر جون ديلون أنه حينما ترجم مجموعة بودلير {أزهار الشر} إلى الإنكليزية، كان يعمل بالضبط على محاكاة الشكل والوزن الذي سار عليه بودلير في مجموعته، مؤكداً أنه كان يشعر بالرضا التام عن نفسه حينما يعمد شخص ما إلى قراءة النص الأصل، ويعمد هو إلى قراءة ترجمته للنص نفسه من دون أن يشعر المستمع بأن الترجمة تردد صدى الأصل لكن بلغة مختلفة.

فن الفشل

تشير خالدة حامد إلى أن الترجمة الأدبية تعدّ أصعب أنواع الترجمات ولعل ترجمة الشعر، على وجه الخصوص، أكثرها تعقيداً. وقد أثير جدل كبير بشأن إمكانية أو استحالة ترجمة الشعر. فبينما يردد خورخي لويس بورخس أن {الأصل خائن للترجمة}، يرد ايمبرتو إيكو قائلاً إن {الترجمة هي فن الفشل}. ويؤكد روبرت فروست أن الشعر يضيع بالترجمة، في حين يقول جوزف برودسكي إن الترجمة تبقي عليه.

ربما كان مردّ ذلك تعذر الحصول على مكافئ دقيق للأصل، فحتى وإن كان المترجم يمتلك معرفة ثرية بلغة الأصل، وبارعاً فيها، لن يكون قادراً على نقل العواطف، والرسالة الخفية التي يبثها الشاعر بين طيات أبياته، والعطر الذي ينثره فوق كلماتها، وبصمة أسلوبه المتميزة. إلا أن براعة المترجم تتجلى حينما يحاول خلق ثقة في نفس القارئ بأنه ينقل النص كما هو، ويحفز فيه الأثر نفسه الذي أبدعه الشاعر. وربما كان الأهم من ذلك أن يتحلى بمهارات التقمص التي تجعله يتمثل شخصية الشاعر ويشعر بما شعر به.

تحريك المهارات

قسمت خالدة حامد كتابها إلى بابين:  الأول {في الشعر، يتضمن مواضيع عدة، الثاني {في ترجمة الشعر}، يتضمن نصوصاً مترجمة لمجموعة من الكتّاب، ومن المواضيع التي عالجها هذا الفصل: أبجديات ترجمة الشعر، الترجمة بوصفها تأليفاً والتأليف بوصفه مترجماً، التزييف والامتلاك...الشاعر مترجماً، شعراء يترجمون لشعراء، وغيرها.

 في أحد فصول الكتاب {التزييف والامتلاك: الشاعر مترجماً}، يذّكر صاحب النص ستيفن كسلر، بقول شهير لـدبليو ميروين: {يعتقد بعض الناس أن ترجمة الشعر صعبة حتماً، لكننا نعلم أن ذلك الاعتقاد يجافي الحقيقة... إنها مستحيلة}.

يتابع كسلر، أنه لا بد من تحريك مهارات ومفاهيم في هذا المشروع المستحيل والضروري معاً. وحقيقة كون المترجم ثنائي اللغة تساعد، بلا شك، لكنها غير كافية لوحدها أبداً. كما أن الاعتياد على ثقافة الأصل وتاريخه مفيد إلى حد كبير. ولعل دراسة معينة للسياق {البايوغرافي} والمجازات اللسانية والأدبية، والمناخ التاريخي المحيط بالنص نافعة ومهمة إلى حد ما.

مع ذلك يؤكد كسلر أن مهارات الشاعر هي الأكثر إفادة في مجال تمكينه من التحرك بنجاح من لغة إلى أخرى جديدة. من هذه المهارات والمواهب الضابط التقني، الخيال الحي، الأذن الموسيقية، المقدرة السلبية (أي مبدأ الشاعر كيتس القائل بالمقدرة على التحدث من وجهة نظر ذوات أخرى عدا ذات المرء نفسه)، الشجاعة، التواضع، الحدس، الذكاء الحاد، القابلية على إقامة صلات لا محتملة، الحس العاطفي، الغريزة اللسانية، التقمص وقدرات اللاتشخيص عند الممثل.

أما ويليس بارنستون في نصه {أبجديات ترجمة الشعر}، فيؤكد أن الترجمة هي {فن التجلي}، تجعل من المجهول معلوماً، ويمتلك الفنان المترجم حماسة وحرفة التعرف إلى عمل الفنان الآخر وإعادة خلقه وكشفه. لكن حتى حينما يكون العمل شهيراً في موطنه، فإنه يأتي إلى بلاد أجنبية عنه، مثل يتيم بلا ماض، ليصل إلى قرائه. سواء كان بأسمال بالية أو مستعملة أو برداء المجد المسرحي الأسود فإنه الدهشة، الفجر، الغريب المميز.

يضيف أن اليتيم هو {دون كيخوتة} في شيكاغو. الترجمة فن بين لسانين والطفل الذي يولد من هذا الفن يعيش بين موطنه والبلدة الأجنبية عنه، عابراً الحدود مرة بلباس جديد، يتذكر اليتيم مدينته القديمة أو يخفيها، ويبدو حديث الولادة ومختلفاً.

back to top