تحدي التحول الهيكلي في إفريقيا

نشر في 20-12-2013
آخر تحديث 20-12-2013 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت على الدوام، كان ينظر إلى منطقة جنوب الصحراء الإفريقية على أنها عديمة الفائدة من الناحية الاقتصادية، أما الآن فقد تمكنت منطقة جنوب الصحراء من تحقيق أفضل نمو منذ سنوات ما بعد الاستقلال. وكانت المكاسب التي تم تحقيقها بفضل الموارد الطبيعية، من العوامل المساعدة، لكن الأخبار الجيدة تنطبق على دول أخرى من غير تلك الغنية بالموارد الطبيعية، فدول مثل إثيوبيا ورواندا وأوغندا وغيرها قد نمت بمعدلات تحاكي تلك المحققة في شرق آسيا في منتصف التسعينيات، ويشعر القادة السياسيون والتجاريون في إفريقيا بالتفاؤل الكبير في ما يتعلق بمستقبل القارة. والسؤال المطروح هنا هو هل يمكن استدامة مثل هذا الأداء، فحتى الآن كانما يحرك النمو هو مجموعة من الموارد الخارجية (المساعدات أو الإعفاءات من الديون أو المكاسب من السلع الأولية)، بالإضافة إلى التخلص من بعض من أسوأ السياسات السابقة. لقد تعززت الإنتاجية المحلية بفضل زيادة الطلب على البضائع والخدمات محلياً، خصوصاً الخدمات، بالإضافة إلى استخدام الموارد بطرق أكثر فعالية. وتبقى المشكلة الراهنة تتمثل في أنه ليس من الواضح من أين ستأتي المكاسب الإنتاجية في المستقبل؟

إن المشكلة الكامنة تتمثل في ضعف التحول الهيكلي لتلك الاقتصادات، فبلدان شرق آسيا نمت بشكل سريع عن طريق تكرار التجارب التي نفذتها الدول المتقدمة بعد الثورة الصناعية، لكن بإطار زمني أقصر كثيراً، فلقد حولت تلك الدول مزارعيها إلى عمال مصانع، وقامت بتنويع اقتصاداتها وتصدير مجموعة من البضائع الأكثر تعقيداً.

هناك جزء بسيط من تلك العملية يحدث حالياً في إفريقيا، وكما ذكر الباحثون في المركز الإفريقي للتحول الاقتصادي الذي يتخذ من العاصمة الغانية أكرا مقراً له، فإن القارة "تنمو بسرعة وتتحول ببطء".

تتمتع المنطقة في الأساس بإمكانات كبيرة في ما يتعلق بالتصنيع الذي يعتمد على العمالة. فعلى سبيل المثال يدفع أحد مصنعي الأحذية الصينيين لعماله الإثيوبيين عُشر ما يدفعه لعماله في الصين. إنه بإمكانه أن يرفع من إنتاجية العمال الإثيوبيين إلى نصف مستويات العمال الصينيين أو أكثر من خلال التدريب على رأس العمل. ولاشك أن التوفير في نفقات العمالة يحقق توازناً مع التكاليف الإضافية التي تترتب على القيام بأعمال تجارية في بيئة إفريقية مثل البنية التحتية المتواضعة والروتين البيروقراطي.

لكن الأرقام الإجمالية تبعث على القلق، فأقل من 10% من العمال الأفارقة يجدون وظائف في التصنيع، ونسبة قليلة جداً منهم (عُشر النسبة أعلاه) تعمل في شركات حديثة ورسمية وبتقنية كافية. من المحزن أنه قد تم تحقيق تقدم محدود للغاية في هذا الخصوص رغم معدلات النمو المرتفعة. وفي واقع الأمر، فإن منطقة جنوب الصحراء الإفريقية هي الأقل تصنيعاً اليوم مقارنة بالثمانينيات. ولم تطرأ زيادة على الاستثمار الخاص في الصناعات الحديثة، خصوصاً السلع التجارية التي لا تعتبر من الموارد، ولاتزال مستوياته محدودة جداً، مما يجعل من الصعوبة بمكان أن يتمكن مثل ذلك الاستثمار في استدامة التحول الهيكلي.

وكما في جميع الدول النامية، فالمزارعون في إفريقيا يتدفقون إلى المدن، ورغم ذلك فإن المهاجرين الريفيين، حسب ما أشارت دراسة حديثة قام بها "مركز غرونينغين للنمو والتنمية"، لا ينتهي بهم المطاف في المصانع الحديثة كما هو الحال في شرق إفريقيا، لكنهم يستقرون في قطاع الخدمات مثل تجارة التجزئة والتوزيع، ورغم أن هذه الخدمات تتمتع بإنتاجية أعلى من القطاع الزراعي فإنها تفتقر إلى الديناميكية التقنية التي تتراجع بوجه عام في القارة الإفريقية في هذه المجال مقارنة ببقية بقاع العالم.

لو نظرنا إلى رواندا التي تعتبر من قصص النجاح المبشرة، لوجدنا أن الناتج المحلي الإجمالي قد نما بها بنسبة 9.6 في المئة سنوياً في المتوسط منذ عام 1995 (لقد زاد دخل الفرد بمعدل سنوي يبلغ 5.2%). لقد أظهر شينشين دياو من "معهد أبحاث سياسات الغذاء العالمية" أن الذي قاد هذا النمو كانت الخدمات غير القائمة على السلع التجارية، خصوصاً البناء والنقل والفنادق والمطاعم. من المعروف أن القطاع العام يهيمن على الاستثمار في رواندا ويتم تمويل معظم الاستثمارات العامة من قبل منح خارجية. لقد أدت المساعدات الأجنبية إلى حدوث زيادة في سعر الصرف الحقيقي مما زاد من المشاكل التي يواجهها التصنيع والسلع التجارية الأخرى.

تلك المتاعب والمصاعب لا تقلل من أهمية التقدم الذي حققته رواندا في مكافحة الفقر والذي يعكس حدوث إصلاحات في قطاعات الصحة والتعليم والسياسة البيئية العامة، ومما لا شك فيه فإن هذه التحسينات قد زادت من الدخل المحتمل للبلاد، لكن تحسين الإدارة وتطور رأس المال البشري لا يترجم بالضرورة إلى ديناميكية اقتصادية. ما تفتقر إليه رواندا وغيرها من الدول الإفريقية هو صناعات حديثة قابلة للنهوض والانتشار التي يمكن أن تحول الإمكانات إلى واقع بحيث تصبح المحرك المحلي لنمو الإنتاجية.

السمة الغالبة على المشهد الاقتصادي الإفريقي هو وجود قطاع غير رسمي يتألف من مؤسسات صغيرة وإنتاج منزلي وأنشطة غير رسمية يعمل على امتصاص الأعداد المتزايدة من العمالة في المدن، كما ان هذا القطاع أصبح يشكل كذلك شبكة أمان اجتماعية، لكن الدلائل تشير إلى أن هذا القطاع لا يمكن أن يوفر الديناميكية الناقصة في الإنتاجية. وتظهر الدراسات أن هناك القليل من المؤسسات الصغيرة التي تنمو إلى ما هو أبعد من الوضع غير الرسمي، علماً بأن معظم الشركات الناجحة الراسخة لا تبدأ عادة كمؤسسات صغيرة وغير رسمية.

يقول المتفائلون إن الأخبار الجيدة التي تتعلق بالتحول الهيكلي الإفريقي لم تظهر بعد في مؤشرات أداء الاقتصاد الكلي، ربما كان لديهم الحق في ذلك لكن لو كانوا مخطئين فإنه من الممكن ان تواجه إفريقيا بعض المصاعب الكبيرة في العقود القادمة.

إن نصف سكان منطقة جنوب الصحراء الإفريقية تقل أعمارهم عن 25 عاماً، وطبقاً للبنك الدولي ففي كل سنة يبلغ خمسة ملايين شخص إضافي عمر 15 سنة، مما يعني انتقالهم من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ. وإذا أخذنا بعين الاعتبار الوتيرة البطيئة للتحول الهيكلي الإيجابي، فإن البنك الدولي يتوقع أنه خلال العقد المقبل سيجد واحد فقط من بين كل أربعة شباب أفارقة فرصة عمل في وظيفة دائمة كعامل يتقاضى راتباً مستقراً، وأن جزءاً طفيفاً من هؤلاء سيكون في القطاع الرسمي المتمثل بالمؤسسات الحديثة.

إن عقدين من التوسع الاقتصادي في منطقة جنوب الصحراء الإفريقية قد رفعا من توقعات الشباب بوظائف جيدة، لكنهما لم يزدا من إمكانات إيجاد فرص عمل وخلق وظائف كافية. هناك أوضاع وظروف تزيد من احتمالية حدوث اضطرابات وقلاقل اجتماعية وحالة عدم استقرار سياسي. ولاشك أن التخطيط الاقتصادي القائم على أساس قراءة مبسطة لأرقام النمو النهائية سيفاقم من التفاوت الحاصل، وعوضاً عن ذلك يتعين على القادة السياسيين الأفارقة الحد من تلك التوقعات والعمل في الوقت نفسه على زيادة معدلات التحول الهيكلي والاندماج الاجتماعي.

* داني رودريك ، أستاذ في العلوم الاجتماعية في "معهد الدراسات المتقدمة" في جامعة برينستون، نيوجيرسي، ومؤلف كتاب "مفارقة العولمة: الديمقراطية ومستقبل الاقتصاد العالمي".

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top