بعد جيل كامل من الأداء الرديء... اليابان تعود مجدداً

نشر في 15-11-2013
آخر تحديث 15-11-2013 | 00:01
على النقيض من أوروبا، حيث تغلبت ألمانيا على إرث الحرب العالمية الثانية من خلال اندماجها في الاتحاد الأوروبي، لا تزال منطقة شمال شرق آسيا تحمل على كاهلها ثِقَل تاريخها القديم. فوفقاً لجيرانها كانت اعتذارات اليابان بشأن عدوانها في الماضي غير كافية.
 بروجيكت سنديكيت "لقد عادت اليابان"! هكذا أعلن رئيس الوزراء شينزو آبي خلال زيارته إلى واشنطن في وقت سابق من هذا العام. ولكن برغم أن اليابان قد تكون على المسار الصحيح بعد عقدين من الركود الاقتصادي، فإن الطريق لا يزال طويلاً حتى يتسنى لها تأمين مستقبل البلاد في الأمد البعيد.

في يوليو، فاز حزب آبي الديمقراطي الليبرالي بالسيطرة على مجلسي البرلمان- وكان انتصاراً انتخابياً مدوياً يرقى إلى أقوى تفويض سياسي يتلقاه أي زعيم ياباني في سنوات عديدة. ويبدو من المرجح نتيجة لهذا أن يظل آبي في السلطة لفترة أطول من أسلافه غير المؤثرين، الذين لم يدم أغلبهم أكثر من عام واحد في السلطة.

ومن ناحية أخرى، يبدو الاقتصاد الياباني وكأنه يتعافى بعد جيل كامل من الأداء الرديء، حيث تجاوز النمو السنوي هذا العام 3 في المئة. وعلاوة على ذلك، تمكنت اليابان في أعقاب صدمة الزلزال والتسونامي والكارثة النووية في عام 2011 (بتكاليف كبيرة) من تعويض النقص في إمدادات الطاقة الذي بلغ 25 في المئة نتيجة لتعطل المفاعلات في محطة دياتشي لتوليد الطاقة بفوكوشيما. كما ساعد إعلان طوكيو أنها ستستضيف الألعاب الأولمبية في عام 2020 في تعزيز الثقة العامة.

ويخشى المتشككون ألا يدوم هذا التقدم الاقتصادي، بزعم أن معدل النمو المرتفع يأتي ببساطة كانعكاس للسياسة النقدية المتراخية والحوافز الضريبية- وهي الاستراتيجية التي سيجعلها التضخم غير مستدامة. فيرد أنصار آبي بأن "السهم" الثالث في جعبة "اقتصاد آبي"- الإصلاحات البنيوية المعززة للإنتاجية- لم ينطلق بعد. كما يشيرون إلى قدرة آبي على التغلب على المقاومة من قِبَل صغار مزارعي الأرز، الذين يشكلون جزءاً من القاعدة الانتخابية للحزب الديمقراطي الليبرالي، لمشاركة اليابان في مفاوضات اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، والتي ستفتح اقتصاد اليابان للمنافسة العالمية المتزايدة.

وبرغم هذا فإن اليابان تواجه تحديات عصيبة طويلة الأجل. فأولاً، مع انخفاض معدل المواليد لديها إلى ما دون مستوى الإحلال بفارق كبير، يتقلص عدد سكان اليابان بفعل الشيخوخة السكانية. وسوف يتطلب التعويض عن هذا الاتجاه زيادة أعداد المهاجرين وزيادة مشاركة النساء في قوة العمل- ولن يكون تحقيق أي من هذين الهدفين سهلاً. فاليابان لم تكن تقليدياً دولة مهاجرين، وتحتل اليابان، وفقاً للتقرير العالمي للتفاوت بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يصنف 136 دولة، المرتبة 105. ولكن هذا من الممكن أن يتغير بطبيعة الحال- واليابان معروفة تاريخياً بنجاحها في إعادة اختراع نفسها.

ولعل السؤال الأكثر أهمية في ما يتعلق بمستقبل اليابان يتصل بعلاقتها بجيرانها- كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية والصين. ورغم أن استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن اليابان تحتفظ بقوتها الناعمة إلى حد كبير على الصعيد العالمي، فإن هذه ليست الحال عندما نتحدث عن جوارها المباشر.

فعلى النقيض من أوروبا، حيث تغلبت ألمانيا على إرث الحرب العالمية الثانية من خلال اندماجها في الاتحاد الأوروبي، لا تزال منطقة شمال شرق آسيا تحمل على كاهلها ثِقَل تاريخها القديم. فوفقاً لجيرانها كانت اعتذارات اليابان بشأن عدوانها في الماضي غير كافية. ولم يطرأ على هذه الحال أي تحسن بعد أن استخدم بعض الزعماء الكوريين والصينيين الخطاب المناهض لليابان للفوز بالدعم في الداخل.

وفي اليابان كانت الانتقادات التي لم تنقطع سبباً في ردة فعل قومية معاكسة، الأمر الذي دفع الساسة إلى الرد بالمثل أثناء الحملة الانتخابية في العام الماضي. فعلى سبيل المثال، هدد آبي بإلغاء الاعتذارات الرسمية الصادرة عن زعماء أو مسؤولين سابقين في ما يتصل بالانتهاكات والفظائع التي ارتكبها الجيش الياباني خلال الحرب العالمية الثانية، وأعرب عن اعتزامه القيام بزيارة ضريح ياسوكوني المثير للجدال، والذي لا يكرم ضحايا الحرب من مواطني اليابان فحسب، بل وأيضاً العديد من مجرمي هذه الحرب. ورغم أن آبي لم يقم بهذه الزيارة بالفعل فإن بعض المراقبين مازالوا مقتنعين بأنه سيزور ضريح ياسوكوني عند نقطة ما، وهو ما من شأنه أن يزيد من توتر علاقات اليابان بكوريا الجنوبية والصين. وقد ساهمت النزاعات على الأراضي في تصعيد هذه التوترات إلى حد كبير. فالصين تتحدى السيطرة اليابانية على أكثر من سبعة كيلومترات مربعة تشكل مجموعة من الجزر الصغيرة- التي تُسمى جزر "سينكاكو" في اليابان و"دياويو" في الصين- في بحر الصين الشرقي. وبرغم أن المطالبات المتنافسة بالسيادة على هذه الجزر ترجع إلى أواخر القرن التاسع عشر، فإن أحدث تفجر لهذا النزاع- والذي تضمن مظاهرات واسعة النطاق مناهضة لليابان في الصين اندلع في سبتمبر 2012 عندما اشترت حكومة اليابان ثلاث من الجزر الضئيلة من مالكها الياباني.

وزعم رئيس الوزراء اليابان يوشيهيكو نودا آنذاك أنه قرر شراء الجزر لمصلحة الحكومة المركزية اليابانية لمنع حاكم طوكيو شينتارو إيشيهارا من شرائها بأموال بلدية. ويبدو أن نودا خشي أن يحاول إيشيهارا، الذي كان معروفاً بموقفه القومي المتشدد، احتلال الجزر أو إيجاد سبل أخرى لاستخدامها لاستفزاز الصين.

ولكن المسؤولين الصينيين اعتبروا هذه الخطوة دليلاً على أن اليابان تحاول إرباك الوضع الراهن. حتى أن البعض زعموا أن اليابان تحاول عكس النتائج الإقليمية التي ترتبت على الحرب العالمية الثانية.

في مايو 1972، أعادت الولايات المتحدة إلى اليابان جزيرة أوكيناوا، التي تولت إدارتها بعد الحرب، وكانت جزر سينكاكو ضمن هذه العملية. وبعد بضعة أشهر، عندما كانت عملية تطبيع العلاقات جارية بين اليابان والصين، طلب رئيس الوزراء الياباني كاكوي تاناكا من رئيس مجلس الدولة الصيني تشو ان لاي عن الجزر: فأجابه تشو بأن هذا النزاع لابد أن يترك لأجيال لاحقة، من أجل تجنب أي تأخير لعملية التطبيع.

ونتيجة لهذا فقد احتفظ كل من البلدين بادعاءات السيادة. لذا فبرغم أن اليابان تفرض سيطرتها الإدارية على الجزر، فإن سفن وطائرات الصين تدخل المياه اليابانية للتأكيد على مطالبتها السيادية. وبرغم أن المعاهدة الأمنية بين اليابان والولايات المتحدة تعمل كرادع قوي فإن خطر الوقوع في حسابات خاطئة أو سوء تقدير قائم دائماً.

والتوصل إلى حل سريع للنزاع حول جزر سينكاكو (أو النزاع الأقل شهرة بين اليابان وكوريا الجنوبية حول صخور لاينكورت التي تسيطر عليها كوريا) ليس بالاحتمال الوارد، ولكن اليابان تستطيع أن تكون أكثر استباقية. فعلى سبيل المثال، من خلال الإعلان عن استعدادها لتحويل أي نزاع إقليمي إلى محكمة العدل الدولية، تستطيع السلطات اليابانية أن تساعد في تبديد تصورات النزعة العسكرية.

وعلاوة على ذلك، يتعين على اليابان أن تتخذ الخطوة السيادية المتمثلة في تعيين جزر سينكاكو باعتبارها محمية بحرية دولية خالية من السكان أو الاستخدام العسكري. وقد لا توافق الصين على هذه الخطوة، ولكن مثل هذا التحرك قد يعيد القضية على الأقل إلى مؤخرة الاهتمامات، في حين يعزز من صورة اليابان كقوة مسالمة.

إن اليابان ومنطقة شمال شرق آسيا في احتياج إلى مبادرات جريئة تركز على المستقبل. والآن حان الوقت لنسيان التاريخ وإعطائه قسطاً من الراحة.

* جوزيف س. ناي | Joseph Samuel Nye، مساعد وزير دفاع الولايات المتحدة الأسبق، وأستاذ بجامعة هارفارد، ومؤلف كتاب «قوى الزعامة».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top