في ظل الظروف العصيبة التي تمر بها مصر، يأتي قرار إقامة الدورة السابعة عشرة لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة، بمثابة برد وسلام على كثير من المصريين، بوصفه دليلا على عودة الأوضاع إلى طبيعتها، وعلامة على الاستقرار الذي يُنتظر أن يسود البلاد في الفترة المقبلة.

Ad

أول علامات الاستقرار اختفاء مظاهر القلق التي صاحبت دورة العام الماضي، وتمثلت في الوقفة الاحتجاجية ضد وزير الثقافة السابق، ورسائل التحذير التي بعثها إليه عدد من السينمائيين لإثنائه عن الحضور إلى المدينة، وتهديده بإفساد حفلة الافتتاح في حال تعنته، وإصراره على الحضور، وثانيها إعلان اللواء أحمد القصاص محافظ الإسماعيلية الحالي ترحيبه بقص شريط افتتاح دورة هذا العام، بعدما شهدت الدورة الماضية مغادرة المحافظ السابق قصر ثقافة الإسماعيلية قبل بدء مراسم حفلة الافتتاح، بعدما تنامى إلى علمه أن ثمة اضطرابات ستشهدها الحفلة، وهو ما لم يحدث لكنه استجاب للتقارير الأمنية من دون تردد!

كل الأمل أن تشهد الدورة الـ 17 لمهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة (3 - 8 يونيو 2014) عودة العروض الفيلمية إلى المقاهي والنوادي ومراكز الشباب؛ فقد كنت واحداً من عشرات النقاد الذين جابوا المدينة، التي أنشئت في عهد الخديو إسماعيل تيمناً بافتتاح قناة السويس في 16 نوفمبر من العام 1869، وعاشوا التجربة الفريدة المتمثلة في مشاركة أبنائها، وسكان ضواحيها، مشاهدة أفلام المهرجان ثم مناقشتها معهم، والتعرف إلى انطباعاتهم، وردود أفعالهم، وتبسيط الغامض والمجهول في الأفلام. وحينها تذكرت جهاز الثقافة الجماهيرية، الذي أنشأه الكاتب الصحافي سعد كامل عام 1965، كذلك تذكرت القوافل التي حركها الكاتب الأديب سعد الدين وهبة إلى قرى ونجوع مصر وكفورها، بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، لتعرض على أهلها الأفلام، التي كان يغلب عليها آنذاك الجانب التوعوي. ومن خلال تجربة مهرجان الإسماعيلية، التي أشرف عليها بدأب مدير التصوير محمود عبد السميع رئيس {جمعية الفيلم}، أمكن لي تلمس أثر السينما الإيجابي على البسطاء، وقدرتها على التواصل مع رجل الشارع البسيط، في حال نجحت في التعبير عن هموم ومشاكل البشر.

 وأهم ما خرجت به من التجربة المثيرة أن تذوق الفن لم يعد حكراً على المثقفين والمهتمين، وأن كل مواطن لديه القدرة على تلمس مواطن الجمال بتلقائية ومن دون وصاية عليه ممن يُطلق عليهم {النخبة} !

افتقدت كثيراً التجربة غير المسبوقة، في المهرجانات السينمائية المصرية، خلال فعاليات دورة العام الماضي، بعدما ألغيت فكرة العروض الجماهيرية في المقاهي والنوادي ومراكز الشباب، لأسباب قيل إنها أمنية، وأحسست أن المهرجان دخل الشرنقة، بعدما أصبحت عروض أفلامه مقصورة على النقاد والصحافيين وأهل المهنة والمهتمين، ولم تغادر قصر الثقافة، كذلك دار العرض التي تبرعت بها مالكتها، وتراجع الإقبال الجماهيري بشكل ملحوظ، وهي آفة مهرجاناتنا المصرية؛ خصوصاً التي تنعقد خارج العاصمة؛ إذ تبدأ وتنتهي في صالات خاوية على عروشها، ولا تكاد تصل إلى الجمهور الحقيقي المستهدف، وغالباً لا يشعر المواطن أن ثمة مهرجاناً يُقام على أرض مدينته!

شيء من هذا لا يُقلل من قدر مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة ومكانته، فقد اكتسب أهمية كبرى بين مهرجانات السينما في العالم، لاحتفائه بنوعية خاصة من الأفلام التي تواجه تجاهلاً صارخاً، ولانتظام دوراته، ولأن إداراته المتعاقبة حرصت على قوامه قوياً ومتماسكاً لا يعرف الترهل أو التسيب الذي أصبح سمة المهرجانات السينمائية المصرية. وهي مناسبة للتنويه بدور مهندس الديكور الراحل الفنان صلاح مرعي، والناقد والمخرج والباحث السينمائي هاشم النحاس مؤسس المهرجان، فإليهما يعود الفضل في السمعة النقية التي يتمتع بها المهرجان بين المهرجانات السينمائية الدولية، وإليهما صار المهرجان يملك وجهاً ثقافياً يتمثل في المطبوعات التي يحرص على إصدارها، كما فعل في دورة هذا العام عندما أصدر كتاب {حرب أكتوبر في السينما} للناقد السينمائي سمير فريد وكتاب {الواقعية التسجيلية في السينما العربية الروائي} للناقد السينمائي صلاح هاشم، وأعلن عن تنظيم ندوتين لمناقشة الكتابين، بالإضافة إلى منتدى الإنتاج العربي المشترك للأفلام التسجيلية.

يواصل مهرجان الإسماعيلية الدولي أداء دوره العظيم في تدشين منصة عرض مهمة للأفلام التسجيلية والقصيرة تعوضها عن الظلم الفادح الواقع عليها، والتعريف برؤى وهموم وثقافات مجتمعات لا تجد لها مكاناً في صالات العرض التجارية، فضلاً عن تبادل الحوار مع الآخر، وهي الأهداف التي تأسس المهرجان لأجلها، ويسعى إلى الحفاظ عليها مهما تعاقبت الدورات، واختلفت الإدارات، وتباين مستوى التظاهرات، وهي المكاسب التي تصب في صالح صانعي السينما، والجمهور معاً.