«زاوية النسيان} لروكز اسطفان... رواية تعري الواقع وتنتهي بالموت
صدرت عن {الدار العربية للعلوم} في بيروت رواية {زاوية النسيان} للكاتب اللبناني روكز اسطفان التي تتسم أعماله بالغرائبية، وكان انقطع عن الكتابة 16 عاماً وعاد برواية {خطف كلب أميركي} المليئة بالسخرية والتهكم.
في روايته الجديدة {زاوية النسيان}، يعيد روكز اسطفان تسليط الضوء على تاريخ لبنان الحديث وناسه وشخصياته وما جرى لهذا البلد من تحولات واحتلالات.يعتمد الكاتب أسلوباً اعتدنا عليه في أعماله، فما بين عبثية القدر وبين عبثية الحياة تشكل الرواية شهادة على حقبة الحرب الأهلية اللبنانية المريرة، وتمارس شهادتها من خلال رصد حركة الحياة في منطقة من مناطق لبنان الشمالي وتشهد عليها بعيني كهل عجوز راوي الرواية وبطلها وعلاقته بالشخصيات الأخرى، من خلال لغة حساسة ومباشرة وقليلة السرد والوصف ،مع تركيز على الأحداث والمواقف والنفس البشرية بما يعتريها من رغبات وانفعالات ورغبة جامحة وغرائبية وتهكمية.
يجول الروائي في عوالم شخصياته الداخلية، وذاكرتهم الشخصية ويسجل أبعادهم النفسية في وطأة الحياة، يسجل أشياء الحياة بطريقة لا تخلو من فلسفة الأمور بأسلوب مباشر وطبيعي خال من التورية والتكلف اللفظي؛ فبطل الرواية أحد ضحايا الحرب، حولته قذيفة إلى إنسان نصف حيّ لمْ يتبقَ له إلا الذكرى: «لم أعد إنساناً. أصبحت إنساناً بالاسم، رجلاً نصف مشلول، مشوهاً، شبه مسخ، أكلت النيران نصف وجهه... في ذلك اليوم بدأ العد العكسي لحياتي الطبيعية، ودخلت رسمياً في حالة الموت البطيء»...وهكذا حولت الحرب حياة الرجل إلى حالة انتظار للموت، يراقب عن قرب سلوك الناس الظاهر والمستتر، وصار الموت يزوره في أحلامه ويقض مضجعه وأكثر ما كان يخيفه هو زواج ابنه من امرأة لا تتمتع بأخلاق العائلات الحميدة، فقد اختارها من وسط اجتماعي لا يليق بمكانة العائلة الأمر الذي جعله في ما بعد في هاجس من أن تؤلب ابنه عليه فيتخلى عنه، خصوصاً بعدما اشتد عليه المرض وأصبح غير واع لأفعاله ويحتاج إلى عناية خاصة: «الحرب، هي أيضاً، قد تكون مسؤولة عن زواج ابني المتسرع الطائش». وفي الوقت نفسه يقول: «الطفل الذي يخرج من رحم الحرب، غير آبه بكل ما يجري حوله، هو تحد للحرب وللموت. ومن يتزوج في الحرب كمن يقول لها «افعلي ما تريدين، فلن يمنعني ذلك من التمتع بالحياة. وها أنا أتزوج، وسط زمجرة مدافعك». رموز الحربفي الرواية ينتقل الروائي من الخاص إلى العام ويغمز بقلمه إلى رموز الحرب اللبنانية وشياطينها والدول القريبة والبعيدة التي ساعدت في إذكاء نار الطائفية وتغليب المصالح السياسية ومصالح أشخاص على مصالح الوطن؛ فيرمز للزعيم الأول باسم «بندق»، وللزعيم الثاني باسم «فستق» وللتدخل السوري باسم «جيش الاحتلال»: «الشرعية ضائعة هنا وهناك، يقول أبو يوسف. بندق يقول إنه هو الذي يمثل الشرعية، وفستق، في المقلب الآخر، يقول نفس الشيء. المشكلة هي أن الشرعية في هذا البلد، طول عمرها مناصفة بين الطائفتين اللتين يتألف منهما البلد. بندق يمتلك نصف الشرعية، وفستق النصف الآخر. فإذا لم تضم الشرعية الطرفين، فهذا يعني أن لا شرعية لأحد. وأي قرار يتخذ باسمها يكون قراراً ناقصاً ومبتوراً ومطعوناً به، وهنا تكمن مشكلة القرار الذي اتخذه بندق». ومن هذا المشهد يمرّ الروائي على المشهد العام في البلاد «القصف»، «التهجير»، «الموت»: طيران جيش الاحتلال يُحلق فوق القصر الرئاسي للمرة الأولى، هذا يعني أن الضوء الأخضر الدولي قد أعطي له لتنفيذ القرار الدولي. حرب إسقاط بندق تندلع. القذائف تتساقط من جديد في كل مكان».في الرواية نقد مبطن للأجواء السياسية اللبنانية: {حسب الأعراف العسكرية، القائد الذي يترك جنوده في المعركة ويهرب يعدم}. وكما في معظم روايات اسطفان التي تنتهي بالحديث عن الموت، نجده في {زاوية النسيان} يذكر موت أبي يوسف ويشكر من وضع حداً {لهذه الحرب المرعبة التي كانت تجري معاركها كل يوم هنا في بيتي}...{أشكرك يا الله. الحرب انتهت أخيراً. أستطيع الآن أن أموت بسلام}.