• الأزمة الأخيرة بين أربع من دول الخليج الست، هي أزمة من نوع "رب ضارة نافعة". لماذا؟ لأنها أظهرت المكسور من الجسور بين حكامنا، للعلن، ولكي نصبح أكثر وعياً بطبيعة "الإشكالية الخليجية" المزمنة، حتى يصبح الحديث عن اتحاد أو حتى صيغة تنسيقية أخرى ممكناً.

Ad

• هناك بالطبع جسور مكسورة بحاجة إلى ترميم، بين الحاكم والمحكوم تحتاج إلى الكثير من العمل الجاد لبناء مؤسسات حقيقية، ومشاركة سياسية فاعلة، وبنية حقوقية متكاملة، تنتقل فيها أنظمة الحكم من الصيغة العشائرية المطلقة إلى صيغ مؤسسية فاعلة وعادلة. بالطبع عملية الانتقال من الممكن أن تتم بصورة تدريجية، وبمشاركة مجتمعية واسعة، لكي يكون خليجنا أكثر انسيابية، وتبنى فيه جسور قادرة على تحمل الأعباء المشتركة دون إفراط أو تفريط.

• الصراع الدائر في إطار "موقعة سحب السفراء" ليس صراعاً بين ملائكة وشياطين، كما يريد أطراف الصراع وإعلامهم أن يصوروه، كما أنه ليس صراعاً بين أصحاب مبادئ ضد من هم لا مبادئ. فذلك الصراع لا علاقة له بالمبادئ بقدر ما له علاقة بموازين القوى، كما أن طبيعة الصراع وسياقه متغير غير ثابت، فمن يقف ضد نظام ما اليوم، كان صديقاً له قبل فترة قصيرة والعكس صحيح، علماً أن "إجرام" ذلك النظام كان متفقاً عليه منذ الأزل، ولم يتغير في "إجرامه" شيء.

• كان لافتاً أن توقيت "موقعة سحب السفراء" جاء مباشرة بعد الجدل الواسع والمحتدم حول الاتفاقية الأمنية، التي كانت في أحسن حال فرضية ساقطة، وسرعان ما أثبت لنا أطراف الاتفاقية ذلك، فنصوص الاتفاقية كانت توجه اتهامات للناس والمواطنين، بإضرارهم بالأمن الخليجي عن طريق القول والتفكير، فوجدنا دولاً خليجية تتهم بعضها البعض بالتجسس والتدخل في شؤونها الداخلية، وهي ذات الاتهامات التي كان يفترض توجيهها لمواطني الخليج. ولا يبدو أن من رتب نصوص الاتفاقية قد وضع في اعتباره أن الحكومات ذاتها هي التي ستكون أول مخالفي الاتفاقية الأمنية.

• منذ بدء الأزمة جاءتني اتصالات عديدة من وسائل إعلامية عربية وأجنبية تسأل عن السبب المباشر للأزمة. فكان ردي أنه قد تكون هناك قشة ما قصمت ظهر بعير ما، لكن المسألة أبعد وأعمق من مجرد قشة في مهب الريح وبعير تائه في بحر الظلمات، فالمسألة بحاجة إلى مراجعة حقيقية، جادة وهادئة، وإلا فإن هناك قشاً كثيراً قادماً ولن يتمكن بعيرنا وظهره من التحمل، بل ربما يسقط بلا حراك، ولن نتمكن من تجاوز ذلك إلا ببناء جسور تتحمل المارة وهمومهم وآلامهم وآمالهم ذهاباً وإياباً، وليس باتجاه واحد فقط.