آمال : زيارة واحدة... سألتكم بالله!
![محمد الوشيحي](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1579110147954926500/1579110167000/1280x960.jpg)
وحيداً تمضي به الأيام، ممدداً بلا حول ولا حيلة، ينتظر ساعة الرحيل، ومعه ينتظرها بشغف أكبر بعض الممرضين والممرضات الأجانب الملولين. أبناؤه كذلك ينتظرونها بشغف يفوق شغف الممرضين والممرضات... الوحيد الذي لا يتمناها هو الآسيوي، المرتاح في هذه الوظيفة السهلة. يُجلسه مرافقه الآسيوي على كرسيه المتحرك... يصطحبه في جولته اليومية الترويحية في الجناح، كما أمر الأطباء. تقع عيناه على غرفة جاره؛ الباب مفتوح، رجال ونساء وأطفال يتضاحكون، كعادتهم أثناء زيارتهم والدهم. يفرح هو لرؤية هذا المنظر، ويخفي غصة تكاد تقتله كلما تذكر جحود أبنائه... ويكتم شهقة كلما تذكر تدليله إياهم. يخيم الظلام على المستشفى. يُعيده مرافقه الآسيوي إلى غرفته. ترتفع جلبة الزائرين أثناء مغادرتهم غرف مرضاهم، وحدهم المرافقون يبقون، غالبيتهم شبان يرافقون آباءهم... يُطرق بابه، يلتفت كمن لسعته الكهرباء، فإذا هو، كالعادة، أحد الشبان مرافقي المرضى المجاورين، يناوله طبقاً من الطعام المنزلي، ويقبل رأسه ويمضي... يا الله. يا الله... يا الله... دارت بي الدنيا حتى أضحيت محل شفقة وصدقة؟ يا الله... لا أريد من أبنائي طعاماً ولا كلاماً... لا أريد إلا رؤيتهم، وسأقبل اعتذارهم، أقسم أنني سأقبله... يا الله، زيارة واحدة قبل أن أفارق الدنيا... كفكف دموعك أيها المسن... كفكفها واطرد هذا الأمل الصعب من خيالك، وارقد... ارقد.