وجهة نظر : الحرب والأسواق
«توجد العديد من القضايا التي تستحق الموت في سبيلها، لكن لا توجد قضية واحدة تستحق قتل إنسان من أجلها» - البير كامويتعرض العالم أكثر فأكثر لحروب أهلية وأزمات عامة يجب على نظريات كامو أن تتجسد فيها، لكنها لن تفعل البتة، إن العنوان الذي جاء أعلاه من أصعب العناوين التي كتبتها لأن الحرب لم تكن يوماً حول الخطأ والصواب، فهي خاطئة بالضرورة، وتحدث تبعاً لأهواء شخصية وعاطفية، وتكمن الحقيقة في هذا في أننا نسقط «مخاطر الحروب» على توقعاتنا الاقتصادية بأنها شديدة وتخلف الكثير من الضحايا، ولا يسعني أن أغض الطرف عن أي شخص أو طرف مشترك في الصراعات الحاصلة، حيث تعلمت الدرس بالطريقة الصعبة حين دافعت عن الإطاحة بصدام حسين لآتي على معرفة أن خلفاءه مثله في السوء وبالتالي تابعت حياتي واضعاً نصب عيني كلمات كامو.
إن أسهل الطرق «لقياس» المخاطر الجيوسياسية هي بالنظر إلى سعر الطاقة، فهي كل شيء لخبراء الاقتصاد الكلي، فهي عبء على الاقتصاد عند الارتفاع وخصم عند الانخفاض، إن الاستهلاك المرتفع للطاقة يجعل منه جزءاً أساسياً من أي تخطيط يتم إجراؤه بغض النظر عن أن افتراضات الطاقة هذه دائماً ما تكون خارجية (ممنوحة!) فكروا بما يلي: كل ما فعلته هذا الصباح فيه استهلاك للطاقة: الاستيقاظ على صوت هاتفك الذكي (الذي كان موصولا بالشاحن طوال الليل) وتجهز القهوة وتحضر الحليب البارد من الثلاجة، وتستحم وتقود سيارتك إلى العمل، وتمشي في مكتبك المكيف. وقس على ذلك بقية يومك التي ستشكل استهلاكا كبيرا للطاقة، تستخلص موارد الطاقة العالمية بشكل رئيسي من مناطق «متقلبة» أو نامية تشكل خطراً حقيقياً على التوريد، وهنا يكمن خطر حقيقي وكمي.إن الطريقة التي اقيس بها الخطر الجيوسياسي هذا هي عبر قياس الفجوة بين العقد الخامس والعقد الاول لخام غرب تكساس الوسيط. منذ 15 يوليو «غلاء الحرب» وبصورة طبيعية أكثر «غلاء الاضطرابات» زادت بمعدل 2 دولار، حيث يدفع المستهلكون حول العالم دولارين أكثر لقاء برميل من خام غرب تكساس الوسيط، حيث توجد العديد من العوامل التي تؤثر على سوق النفط الخام لكن سعر الطاقة يبقى المكون الأول الذي نحتاج لمعرفة ما إذا كان مستقراً أو ربما منخفضاً. إن التأثير الاجمالي الناتج عن الحرب سلبي بغض النظر عن التحليل المنمق للحرب العالمية الثانية التي اوقفت الركود -تذكروا سبعينيات القرن الماضي- وربما هي تشابه وثيق بالاضرابات في غزة والعراق وروسيا-أوكرانيا وليبيا وسورية، وسيتحدث البعض عن اختلافها هذه المرة ثم يعود إلى حقيقة أننا معتمدون بشكل كبير على الشرق الاوسط! بالتأكيد لكن الاسعار تنحصر بين 10 و25 دولارا فقط!حيث شهدنا في هذه الآونة ارتفاعاً في اسعار النفط يتجاوز 100 دولار منذ 2007. يساوي سعر خام النفط الآن أربع مرات سعره خلال السبعينيات التي اتسمت بالتضخم، في الوقت الذي أنهينا بريتن وودس ونشوء التضخم الذي أثارته البنوك المركزية. لا، إن العلامة من سوق الطاقة حول الطلب على الطاقة ومخاطر الاكتفاء منها واضحة كما يلي: حضروا أنفسكم لنمو أقل واستقرار أقل ومخاطر سياسية أكبر يحافظ السوق على كل حال على يد ثابتة: سيتم احتواء اسرائيل خلال أسبوعين، وسيتم إيجاد حل للأزمة الروسية الاوكرانية، ويرى كل واحد منا بوضوح رفض المخاطر الهامشية (بلاك سوانز)، إن السوق «مثالي» في معلوماته، حيث ستحمينا أسعار الفوائد الصفرية حيث تم «استغباؤنا «من خلال التصديق ان العالم الحقيقي لا يهتم بعد الآن. البطالة والتفاوت الاجتماعي والحروب وقتل الابرياء والصور التي نراها في التلفاز لأناس يتقاتلون للعيش يوماً آخر ليست ذات صلة ما عدا الحقيقة التي تقول إنه لاستمرار النمو العالمي نحتاج إلى الاستمرار في رؤية النمو في إفريقيا والشرق الاوسط وأوروبا الشرقية، حيث نحتاج أن نقبل أن العالم حالياً يخضع للعولمة بصورة فعلية- نبتسم عندما خفضت العولمة الاسعار وجنت شركاتنا المزيد من الارباح وتعكس الآن الحروب عالما يتسم فيه النمو بالقصر والطاقة بالغلاء وصعوبة الحصول عليها بحيث درنا دائرة كاملة مع سياسات الاقتصاد الكلي وسياسة التدخلات.إن تصاعد الأزمة في العالم سيلعب دورا آخر في السوق، ولكن كونوا حذرين: يتأخر كل ما يتعلق بالاقتصاد في إظهار رد فعل من 9 إلى 12 شهراً، ولكل فعل رد فعل، وفي حال استمرت الحالة الراهنة من التأهب خلال الصيف يمكننا المراهنة على أن ارتفاع اسعار الطاقة سيؤثر بشكل خطير ليس على النمو العالمي فحسب بل على الاسواق أيضاً، ودعونا نذكر أنفسنا بأن الخاسر الحقيقي هو العائلات التي تخسر أحباءها. نعم، كامو عرف الحقيقة: لا يوجد ما يستحق القتل لأجله، ويوجد الكثير للقتال في سبيله.ستين جاكوبسن | Steen Jakobsen* كبير المحللين الاقتصاديين