ربوا أبناءكم قبل أن يربيهم غيركم
التربية هذه الكلمة بسيطة التعبير لكنها حادة مثل السيف، خطرة إن لم نحسن تطبيقها عملياً، أن ترزق بطفل فأنت سترزح تحت ثقل لا تستطيع الجبال حمله كأم، فهي تنسى طعم النوم والراحة والهدوء منذ اللحظة الأولى لوصول هذا المخلوق، حتى بعد أن يصبح رجلاً، لأنها تحمل همه ليل نهار، وكأب فهو مشروع صعب الفهم، عليه أن يفكك أبجدياته ليفهمها وهي عملية متعبة أيضاً. وللأسف أغلب الآباء والأمهات لا يفهمون من أبجديات التربية إلا التي تعلمها من والديه، وليته تعلم كيف يربي أبناءه كما تربى هو، بل لقد ضيع دربه، فلا هو يعرف كيف رباه أبواه، ولا هو يعرف كيف يتعامل مع أطفاله الصغار، فيكون الهروب هو أقصر الطرق.في وقتنا الحاضر أرى أطفالا كثيرين في أعمار صغيرة جداً ثماني سنوات أو تسع ومراهقين ضائعين. لا يوجد من يوجههم أو يسألهم ماذا يريدون غير أجهزة الآيباد والآيفون والمال طبعاً؟ هل هناك آباء جلسوا مع أبنائهم وقالوا لهم إن الحياة لن تكون سهلة، ويجب أن يستعدوا لها؟ هل هناك آباء جلسوا وشرحوا لأبنائهم الكلمات التي تدخل قاموسهم كل يوم، من المدرسة والشارع والتلفاز؟ أم أصبح كل همهم أن ينجحوا في دراستهم فقط وكأن الحياة نجاح دراسي فقط؟ وليتهم أيضاً اهتموا بذلك، فحتى التحصيل الدراسي أصبح غير ذي أهمية فماذا بقي؟
لقد تكفل الشارع بتربية الأبناء، وأصدقاء الشارع والمدرسة هم من يعلمونهم الكلمات والتصرفات والعادات والتقاليد والدين وكل شيء تقريباً، وإلا ما وجدنا متطرفين في الاتجاهين المتعاكسين، فهناك متطرف أباح دم أهله لأنهم خالفوه في الدين، وهناك متطرف لا يعلم من الدين غير الشهادة، وأصبح البيت مجرد فندق للأكل والنوم فقط، وأتقن الأبناء فن التمثيل والكذب، فهم أمام أهلهم بحكم خوفهم منهم أو حاجتهم المادية لهم مسالمون إلى حد ما، وعندما تختفي هذه السلطة الأبوية ينكشف الوجه الآخر لهم.أصبح الطفل ذا الثمانية أو التسعة أعوام يشرب السجائر في حمام المدرسة وفي ظلمات الشوارع، والمراهق لا يخشى أن يجرب المخدرات حتى لو علم أنها ستقتله، وشبابنا لا يهتم لحياته ولا حياة من في الشارع، أصبح الموت والفشل عملة سائدة بين الأبناء.أرجوكم... خذوا من وقتكم قليلا وامنحوه لأبنائكم، كلموهم وصادقوهم وامشوا وراءهم، تجسسوا عليهم دون علمهم، لا تهتموا بمن يقول لكم لا تتجسسوا، إنها الطريقة الوحيدة لتعرف عنهم إن رفضوا التحدث معكم ماذا يفعلون؟ ومن يصادقون؟ وما مشاكلهم؟ افعلوا أي شيء لتربيتهم بطريقة توصلهم إلى بر الأمان قبل أن يفوت الأوان.