سماجة وقذارة في لبنان
جاء في كتاب «المسرح الحي الأدب الدرامي في العالم العربي الوسيط» لـ آ. د. شي. موريه: يعرف مصنفو المعاجم العرب لفظة «سماجة» على أنها كل ما هو «فاحش أو غير لائق وقبيح». إلا أن هذه اللفظة تردُ في المصنفات الأدبية والتاريخية حاملة معنى آخر فضلاً عن القبح، وهو «الممثل ذو القناع» أو «القناع الذي يلبسه هذا الممثل».والحال أن كلمة سماجة تبقى قليلة وخفيفة إذا أردنا استعمالها في وصف بعض وسائل الإعلام اللبنانية (والعربية) وبعض الشخصيات «الإعلامية» والسياسية السمجة والمقنعة التي تتاجر بدماء الناس ودائمة الجوع للقذارة والحماقة والحقارة والابتزاز وإثارة النعرات والفتن والتضليل. وبات المرء يعيش بين نارين، نار التفجيرات الانتحارية ونار التفجيرات الإخبارية المدسوسة والطائفية والفئوية والمخابراتية.
مؤسسات إعلامية كثيرة أصبحت أخطر من السلاح التكفيري والانتحاري، يتلذذ أصحابها بأخبار الوساخة والانفجارات والانتحاريين والتكفيريين لأنها لا تجد جمهوراً إلا من خلال فائض القذارة والقتل والحروب. يتلذذ المراسل في إذاعة أسماء القتلى والجرحى، ويتلذذ المصور في التقاط صور الأشلاء، وتتلذذ المحطة في تحول بعض المجتمعات إلى أشلاء، تنتهك نفسيتها وروحها وتساهم في تنامي الانتحاريين. من أجل «السكوب» أو السبق الصحفي، يمكن للمؤسسات الإعلامية أن تهين مجتمعاً بأكمله من خلال تركيب الأخبار عن ذمة المصادر، أو تركيب الأضاليل من خلال نسبها إلى معلومات مؤكدة، وذلك كله يحصل من دون حسيب أو رقيب. ثمة عقلية شمولية استبدادية فرضها الانقسام المذهبي والصراع الإقليمي وازدادت وتيرتها في زمن الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، فلم يعد الانتحاري مثلاً يُنسب إلى ذاته بل إلى مجتمعه ومنطقته، حتى صار بعض وسائل الإعلام يعاقب مجتمع الانتحاري كله تحت قناع اسمه أو هويته.الأرجح أن بعض وسائل الإعلام اللبنانية يعجز عن أن يكون حاضراً إلا من خلال الخراب والحرب، هي مؤسسات طفيلية فاشلة تعتاش على أرواح الآخرين والتقارير المأجورة التي تخدمها مصالح أصحابها...كانت أليف شافاك على حق حين قالت: «الصحافيون ليسوا مهتمين بالحقيقة، بل كلّ ما يسعون إليه ويفعلونه هو وضعك في إطار حكاية موجودة أصلاً في أدمغتهم».