تخطف نظرك في معرض «الفنان وأستاذه... حوار أجيال» مجموعة لافتة تحت مسمى «السهم» تضمّ عشر لوحات، شكلت رافداً إضافياً للمتعة الفنية، وثراء للفضاء التشكيلي في مصر، بمضمونه وجمالياته، والتعبير عن معطيات واقع متجدد باللون، وحوت خبرات الفنان وخصوصية تجربته الإبداعية.

Ad

والمجموعة هي أحدث تجارب عصمت داوستاشي، وهو بحسب قوله رسمها بعد ثورة 30 يونيو وأضاف إليها أربع لوحات قبل الثورة، منها لوحة {الفتاة والشيخ} ويرمز بها إلى مصر، وتداعيات الأحداث الجارية.

في مزج فريد بين التراث الفرعوني والعربي، تطالعنا إحدى لوحات داوستاشي، مشحونة بجسارة اللون ورمزيته، وتحول الجسد إلى خارطة لأسهم متناغمة الألوان، ودلالة الخطى الواثقة، وفي الخلفية زخارف وثيقة الصلة بمنجز الفنانين الأسلاف.

أوضح التشكيلي د. أحمد نوار أن للرمز مكانة محورية في أعمال داوستاشي، وللأسطورة مساحة في فضاءات لوحاته ذات البعدين، وفي أعماله ذات الأبعاد الثلاثة، وهو من المنظرين القلائل في الفنون التشكيلية في العالم العربي.

سبق الافتتاح عرض فيلم تسجيلي حول مسيرة داوستاشي وأستاذته الفنانة الراحلة عفت ناجي في قاعة أبعاد، من إعداد مشرفة العروض الفنانة سماح كمال وتنفيذها، وأعقبته ندوة حول كتاب {الرائدة عفت وتلميذها عصمت} للسفير الفنان يسري القويضي.

لفت الدكتور صلاح المليجي إلى أهمية معرض {الفنان وأستاذه}، وترسيخه مفاهيم قيمية، تنمي الوعي الفني وتنشر معاني سامية للوفاء والعرفان بالدور الريادي لأساتذة الفن التشكيلي، وتواصل أجيال لاحقة مع إبداعهم المتفرد.

أضاف المليجي: {باختيار الثنائي {عفت وداوستاشي} يكون التوفيق قد حالف القيمين على المعرض في اختيارهم النموذج الأمثل لتجسيد تلك العلاقة السامية والراقية بين الأستاذ وتلميذه}.

معرض {الفنان وأستاذه} بوصلة توجه محبي الفن التشكيلي نحو أيقونات إبداعية، ومعيار يُمكن القياس عليه، في مشاريع فنية مستقبلية في سياق هذه الفكرة الواعية بماهية الفنون الجميلة ودورها.  

أشاد الحضور، من باحثين وخبراء، بتوثيق المعرض لرحلة الفنانة عفت ناجي، وإسهاماتها البارزة في الحركة التشكيلية، ودور تلميذها الفنان عصمت داوستاشي في الحفاظ على مدرستها وتراثها الإبداعي.

فنان شامل

يشكل إبداع داوستاشي (70 عاماً) مزيجاً فريداً بين خصوصية الانتماء، والتفاعل مع تيارات الحداثة الفنية. خلال مسيرة شارفت نصف قرن، شارك في معارض دولية، وأقام معارضه الخاصة في مصر وغيرها من دول عربية وفي دول أوروبية، ونال جوائز منها: {جائزة مختار} (1984)، {جائزة مسابقة النيل} (1989)، جائزة في التصوير الضوئي من اليابان (1994)، وشارك في لجان تحكيم وفعاليات تشكيلية محلية ودولية.

له دراسات نقدية وتوثيقية، من بينها كتابه عن أستاذته عفت ناجي {قوة السحر} (1995)، المجلد الوثائقي الضخم عن الفنان محمود سعيد (1999)، منمنمات (2002).

خلال مسيرته الإبداعية، تميز كفنان شامل يمارس النحت والتصوير الضوئي والرسم والعمل الفني المركب، ويستلهم الرموز الشعبية العربية، ويتفاعل مع خصائص البيئة الساحلية لموطنه الإسكندرية.

ريادة تشكيلية

يضم معرض «الفنان وأستاذه» لوحات للفنانة عفت ناجي (-1905 1994)، إحدى رائدات فن التصوير المصري المعاصر التي تميزت رحلتها الإبداعية خلال نصف قرن، كرسامة وملونة متفردة لها مكانتها في الحركة التشكيلية العربية.

درست الموسيقى والرسم واللغات في منزل أسرتها في الإسكندرية، وقادها طموحها إلى دراسة فن الرسم الجداري في أكاديمية الفنون الجميلة في روما (1948)، وعاصرت رواد الفن التشكيلي مثل شقيقها محمد ناجي وسيف وأدهم وانلي ومحمود سعيد وغيرهم.   

وصفت عفت ناجي تجربتها بالقول: {كان اطلاعي شاملاً في نواحي تاريخ الفن والأدب، وأردت الاقتداء بالفنان القديم في السيطرة على الخطوط، والتكامل التشكيلي وصراحة اللون، وأدهشني ما رأيته في المخطوطات العربية من رسوم وأشكال فلكية وجغرافية وسحرية}.  

بعد رحيلها، أقيمت لها معارض تكريمية وصدرت دراسات نقدية وتوثيقية تناولت مسيرتها الفنية، من بينها كتاب: {الرائدة عفت وتلميذها عصمت} للسفير الفنان يسري القويضي.

يقول داوستاشي عن أستاذته إن التنوع والثراء في أعمال الفنانة عفت ناجي، يرجع إلى رؤيتها وثقافتها الشمولية واهتمامها بالتراث الإنساني، لا سيما عمق الإبداع العربي القديم.  

محمد ناجي، الرائد فن التصوير المصري الحديث، يعتبر الموجه الأول لموهبة شقيقته عفت المبكرة التي توزعت بين الموسيقى والتمثيل والشعر، لتستقر في الفنون الجميلة.

وبزواجها من سعد الخادم، عميد دراسات الفنون الشعبية، استلهمت هذا الرافد في أعمالها، وتركت لوحات ذات تنوع وثراء في الأساليب الفنية، وفضاءات تتناغم مع عمق تجربتها الحياتية وثقافتها الشمولية.

أقامت معارض مصرية ودولية، ونالت جوائز وتكريمات، من بينها جائزة {بينالي البندقية} في إيطاليا (1954).