منذ أكثر من عشر سنوات تابعت قضية النقل والازدحام المروري والتلوث البيئي الناتج عنه في البلد، ونشرت عدة تحقيقات ومتابعات صحافية عن القضية في الزميلة "القبس"، كانت حصيلتها نابعة من متخصصين ومن تجارب دول أخرى، خلاصتها أنه بجانب الحلول المتمثلة في تطوير الطرق وتنظيمها وحزمة إجراءات مختلفة لمعالجة تلك المشكلة، هناك أيضاً حل أساسي بإنشاء وسيلة نقل جماعي حديثة هي قطارات الأنفاق (المترو)، وهو المشروع الذي بحثته الحكومة الكويتية عام 1980، وصرفت النظر عنه، ثم عادت في أكتوبر 2004 لتقره برئاسة سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، عندما كان يترأس الحكومة.

Ad

مشروع مترو الكويت يخلط الناس وبعض المسؤولين، عن عدم دراية، بينه وبين مشروع القطارات التي ستربط دول مجلس التعاون الخليجي، بينما هما في الواقع مشروعان مختلفان، فالمترو مشروع محلي وطني كويتي سيساهم في حل مشكلة المرور والتلوث البيئي المتنامي في البلاد، لكن هناك أيادي خفية تخنق المشروع منذ سنوات وتمنع تنفيذه، إضافة إلى ضيق أفق بعض المسؤولين الحكوميين الذين لا يستوعبون وجود "مترو الكويت"، ويعتقدون أن تطوير الطرق هو الحل الأمثل للكويت، بينما التجارب تؤكد عدم صحة ذلك، فمثلاً مدينة القاهرة، التي أنشأت أكبر مشروع طرق معلق على 9 مراحل منذ عام 1969 باسم كوبري 6 أكتوبر، انتهى الأمر فيها باختناقات مرورية قاتلة في قلب القاهرة في سبعينيات القرن الماضي، ولولا مشروع مترو أنفاق القاهرة لكانت اليوم مدينة ميتة تماماً بسبب النقل والمواصلات، كما أن لمدن عديدة تجارب مماثلة مثل طهران وبانكوك وغيرهما.

المسؤولون في الكويت يعتقدون أن طريقي جمال عبدالناصر والجهراء الجديدين سيحلان المشكلة المرورية، وهما في الواقع سيزيدان عقد الاختناقات المرورية عند أبواب العاصمة ومنطقة حولي، إذا لم يسندهما مشروع نقل جماعي حديث إلى مناطق مجمع الوزارات وقصر العدل وحي الوزارات في جنوب السرة وجامعة الكويت الجديدة في الشدادية في السنوات العشر المقبلة، وهو ما لم يباشر في إنجازه حتى اليوم رغم ملايين الدنانير التي صرفت على دراسات وتخطيط مشروع مترو الكويت الذي كلفت شركة إنكو الإسبانية بدراسته (2006)، وبعد ذلك العقد الاستشاري مع شركة أميركية في أكتوبر 2010 لإعداد عقود التنفيذ، وانتهت مدة العقد (أبريل 2012) دون أن يستجد أي جديد على المشروع.

الغريب أن مشروع مترو الكويت رغم ضخامته وأهميته لا يظهر في أي برنامج عمل للحكومة أو خطة خمسية للدولة، ولم يكن له وجود كذلك في آخر برنامج عمل للحكومة، الذي قدم للبرلمان الأسبوع الماضي، وبتنسيق وإشراف وزيرة الدولة لشؤون مجلس الأمة وزيرة التخطيط والتنمية د. رولا دشتي، رغم وجود 12 شركة جديدة في البرنامج ستنشأ بـ12 مليار دينار، نصفها تقريباً يتعلق فقط بتوليد الطاقة الكهربائية!... بينما يختفي مشروع المترو ويحجب، وكأن هناك صراع كبار حوله أو قوى ما تمنع إنجازه منذ سنوات لأسباب مجهولة، رغم معاناة البلد من القضية المرورية والتلوث.

وبينما ندور في الكويت حول أنفسنا في هذا المشروع الحيوي والهام الذي يجب أن تستثمر فوائضنا فيه، ويعرض كل 6 أشهر على مجلس الوزراء ليوافق عليه من حيث المبدأ ثم يموت في الأدراج ليعرض عليه مرة أخرى، نجد أن إمارة دبي أنجزته في سنوات معدودة، بينما بدأت مدينة الدوحة بناءه وكذلك مدينة الرياض العام الماضي، في حين يتجه مصير مشروع مترو الكويت إلى المجهول، ويحجب عن برامج وخطط الحكومة التنموية، لذلك يحق للكويتيين الآن أن يتساءلوا: من المسؤول عن تعطيل هذا المشروع الحيوي ووأده؟!