إسرائيل وحدها هي التي لا يحق لها الاعتراض أو التشكيك في الاتفاق المتعلق بالأنشطة النووية بين إيران والدول الست الكبرى التي مثلت الطرف الآخر من هذا الاتفاق، فهي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي أنتجت القنابل الذرية بتواطؤ من الأميركيين والأوروبيين، منذ سنوات طويلة، وهي بهذا أوجدت ذريعة لتسابق ذري في هذه المنطقة الملتهبة أصلاً، هذا التسابق الذي بدأه الإيرانيون ليس منذ انتصار الثورة الخمينية في عام 1979 بل في عهد شاه إيران السابق الذي كان يعتبر نفسه شرطي الشرق الأوسط بموافقة أميركية.

Ad

قبل أن تُشهر إسرائيل مخاوفها في وجه ما تقوم به إيران في هذا المجال وقبل أن تُشكك في اتفاق جنيف الأخير وتصفه بأنه "اتفاق سيئ" فإن عليها أن تبادر، من قبيل حسن النوايا ومن قبيل إعطاء مواقفها هذه مصداقية بقيت تفتقر إليها منذ إنشائها حتى الآن، إلى فتح مفاعل "ديمونا"، الذي يشكل لغزاً كبيراً في هذه المنطقة، أمام المفتشين الدوليين وتبدي استعداداً صادقاً ليكون مصير قنابلها النووية كمصير أسلحة بشار الأسد الكيماوية التي يحار العالم الآن في إيجاد قبرٍ لدفنها فيه.

إنه لا يجوز إطلاقاً أن يبقى العالم يغض النظر عن القنابل الذرية الإسرائيلية وعن مفاعل "ديمونا" بعد اتفاق جنيف الأخير الذي يعتبر خطوة متقدمة بالنسبة إلى أنشطة إيران العسكرية، فإسرائيل يجب ألا تبقى تُعامَل على أنها الطفل الأوروبي والأميركي المدلل، والمعروف، حتى بالنسبة للذين يصرّون على تجاهل الحقائق التي تفقأ العيون، أنَّ هذه الدولة، دولة إسرائيل، هي التي تحتل أراضي الآخرين وتعتدي عليها، وهي التي تهدد الدول العربية القريبة والبعيدة بينما لم تكن مهددة بوجودها في أي يوم من الأيام.

وهكذا فإنه لابد من تناول هذه المسألة الحساسة ووضع النقاط على الحروف بالنسبة إليها قبل أنْ نُشير إلى أن المشكلة بالنسبة لاتفاق جنيف الأخير، الذي هو خطوة متقدمة فعلية لا يمكن إنكارها، ليست في نصوص ما تم الاتفاق عليه بل في عدم الثقة بأن إيران ستكون صادقة، وأنها لن تراوغ، بعد أن تَكْسر العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وتحاول إفراغ هذا الاتفاق من مضمونه وتستمر في عمليات التحايل التي بقيت تمارسها منذ سنوات طويلة.

ولعل ما يجب التوقف عنده ونحن بصدد الحديث عن هذه المسألة أن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف قد بادر إلى دق أسفين في هذا الاتفاق، قبل أن يجف الحبر الذي كُتِب به وقبل أن يغادر لا هو ولا أيٌّ من شركائه في جنيف، من خلال تأكيده أنَّ إيران ستواصل عمليات التخصيب، وأنها لن توقفها، مما دعا وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الإسراع بالقول إن الاتفاق الذي تم توقيعه في ساعة متأخرة من مساء أمس الأول لم يتضمن أي إشارة إلى حق إيران في مواصلة التخصيب حتى لأغراض سلمية.

إننا في هذه المنطقة لا يمكن إلا أن نشكك في إيران وفي نواياها مادامت تواصل احتلالها المعلن والمخفي للعراق، ومادامت تتدخل كل هذا التدخل العسكري السافر في سورية وفي لبنان واليمن والسودان، ومادامت تصر على حشر أنفها في كل الشؤون العربية الداخلية... إن هذا هو معيار حُسْن نوايا هذه الدولة التي من المفترض أنها شقيقة تربط كل دولنا بها مصالح مشتركة قائمة على حسن الجوار، ولهذا فإن ما يهمنا في هذا الاتفاق الأخير هو الجدية، وهو أن يوقف الإيرانيون غزوهم العسكري والأمني للعديد من الدول العربية.