في الوقت الذي ينصب اهتمام العالم فيه على أوكرانيا تتحدى السفن والطائرات من اليابان والصين بعضها بعضا بشكل يومي تقريباً في منطقة تبعد بضعة أميال عن جزر قاحلة في بحر الصين الشرقي تسميها اليابان جزر "سينكاكو"، وتطلق عليها الصين جزر "دياويو". يعود تاريخ هذه المنافسة الخطرة إلى أواخر القرن التاسع عشر، لكن موجة الغضب التي أفضت إلى المظاهرات الواسعة المعادية لليابان في الصين في شهر سبتمبر من سنة 2012 اندلعت عندما قامت الحكومة اليابانية بشراء ثلاث من الجزر الصغيرة من مالكها الشخصي الياباني. وسوف تثار هذه القضية خلال زيارة الرئيس أوباما المقبلة الى اليابان.
وعندما أعادت الولايات المتحدة جزيرة أوكيناوا الى اليابان في شهر مايو من سنة 1972، شملت تلك العملية الجزر المتنازع عليها التي كانت تحت إدارة الولايات المتحدة بعد سنة 1945، وبعد بضعة أشهر عندما تم تطبيع العلاقات بين الصين واليابان في أعقاب الحرب العالمية الثانية سأل رئيس الوزراء الياباني كاوكي تاماكا رئيس الوزراء الصيني تشو اين لاي عن تلك الجزر، وكان رده أنه بدلاً من جعل النزاع يؤجل التطبيع يتعين ترك القضية للأجيال القادمة. وحافظ البلدان على مزاعم السيادة على الجزر المذكورة.وطوال عقود من الزمن نجحت هذه الصيغة، وعلى الرغم من أن اليابان كانت تتمتع بسيطرة إدارية على المنطقة غير أن السفن الصينية كانت تدخل بين الحين والآخر إلى المياه اليابانية بغية تأكيد وضعها القانوني. وعندما وقعت حوادث كانت اليابان تعتقل في بعض الأحيان أفراد الطاقم الصيني ولكنها تعمد إلى إطلاق سراحهم بعد وقت قصير. وقد أثارت تقارير مبالغ فيها عن وجود احتياطيات من النفط والغاز تحت سطح البحر المخاوف في بعض الأحيان، ولكن حتى سنة 2008 اتفقت الدولتان على إطار عمل حول تطوير مشترك لحقول الغاز المتنازع عليها في بحر الصين الشرقي.تحسن العلاقات الثنائيةفي عام 2009 تحسنت العلاقات بين الصين واليابان، وقام وفد كبير من أعضاء البرلمان الياباني "الدايت"، من الحزب الياباني الديمقراطي، بزيارة بكين، ثم في السابع من سبتمبر 2010 قامت قاطرة صينية على مقربة من الجزر بتوجيه ضربتين عنيفتين لزوارق الدورية اليابانية واقتادت السلطات اليابانية القاطرة إلى اليابان. وبعد أيام عدة من الاحتجاجات الصينية أفرجت اليابان عن الطاقم الصيني لكنها وجهت الاتهام إلى القبطان. وعمدت الصين فجأة إلى وقف صادراتها من المواد الخام النادرة إلى اليابان التي عمدت إلى إطلاق سراح القبطان بسرعة، لكن الصين لم تستأنف عمليات التصدير لحوالي الشهرين، وعندما سئلت بكين عن سبب تصرفها على هذا النحو قال المسؤولون الصينيون إنه لم يكن لديهم من خيار لأن اليابان بمجرد توجيه اتهامات إلى القبطان كان ذلك يعني ضمناً القبول بقانون وسيادة اليابان.من وجهة نظر الصين، فإن اليابان أقدمت على تدمير وضع "شو- تاناكا" القائم من خلال عملية الاعتقال في سنة 2010 ومن ثم صفقة الشراء في 2012، ومن جانبها، تعتقد الصين أيضاً أن اليابان دخلت في مرحلة نزعة عسكرية يمينية وطنية وأن شراء تلك الجزر كان جهداً متعمداً من جانب طوكيو للشروع في عملية تبديد التسوية التي تحققت في الحرب العالمية الثانية. ومنذ سنة 2012 استمرت السفن الصينية في العمل بصورة منتظمة في ما تزعم اليابان أنها مياهها الاقليمية. ومن المفارقة أن هذه العمليات الصينية تؤجج المشاعر الوطنية اليابانية- وهكذا يستمر تصاعد الأعمال وردود الفعل من دون وجود فرصة في الأفق لتوصل الجانبين الى تهدئة.إدارة الحوادثوفي ما يتعلق بالزيارة التي قام بها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي في شهر ديسمبر الى "مزار ياسوكوني" التي تهدف بشكل جزئي إلى تكريم مجرمي الحرب اليابانيين من الفئة A، فقد تم صب الزيت على نار تحتاج إلى القليل من الشرر كي تندلع بشدة. ومن خلال مراقبتنا عن كثب للعلاقات الصينية- اليابانية طوال عقود كثيرة نظن أن الأمور لم تصل إلى هذا الحد من السوء منذ نصف قرن على وجه التقريب.القادة الصينيون واليابانيون كانوا يكررون القول إنهم لا يريدون دخول حرب، وليس من سبب يحول دون تصديقهم، وهم يدركون أن اضطراب الاعتماد الاقتصادي المتبادل بين ثاني وثالث أكبر اقتصاد في العالم سوف يعرقل بشكل راديكالي خطط التنمية والاستقرار الداخلي فيهما. والأخطار الحقيقية لا تكمن في نوايا قادة الدولتين بل في إمكانية اساءة الحسابات على مستويات أدنى، والخبرة المحدودة في "إدارة الحوادث" والتصعيد في مناخ القومية التنافسية.وفي هذا الوضع فإن أفضل ما نهدف إليه هو إحياء حكمة صيغة "شو– تاناكا" الأصلية. وقد تتمثل إحدى الطرق للقيام بذلك، كما اقترح البعض، في إعلان الجزر السالفة الذكر محمية بيئية بحرية مكرسة للمصلحة الأعم والأكبر للمنطقة. ولن تشتمل تلك الجزر أو البحار المحيطة بها على سكان أو على استخدامات عسكرية. وبشكل مثالي سوف توافق الصين واليابان على ذلك، ولكن هذا غير محتمل في الأجواء الراهنة، ويمكن أن يتم استكشاف آليات أخرى من أجل تحقيق الغاية ذاتها، وربما يوافق الجانبان على مراجعة اتفاقيتهما لسنة 2008 حول عمليات الاستخدام المشترك للغاز. وهذا الاقتراح لن يحل المشكلة، ولكنه قد يبعدها عن خط المواجهة حيث تهدد بالغليان والتفجر إلى موقع خلفي حيث تعتمل بهدوء لنصف قرن آخر.* جوزيف س. ناي | Joseph Samuel Nye & كيفين رود | Kevin Ruddناي، بروفيسور في جامعة هارفارد وعميد سابق لكلية كيندي. ورود، رئيس وزراء أستراليا في الفترة من 2007 الى 2010 ثم في سنة 2013.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
كيف تمنع اندلاع حرب بين الصين واليابان؟
26-04-2014