بأي حالٍ عدت يا عاشوراء؟
تحل علينا من جديد ذكرى عاشوراء ليتم استذكار أعظم ثورة في التاريخ الإسلامي التي ثار فيها سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيد شهداء أهل الجنة الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) ضد الانحراف الذي بلغ آنذاك مرحلة لا تحتمل في مسيرة الأمة الإسلامية التي كانت بحاجة إلى صدمة كبيرة حتى تفيق من سباتها وتنتبه إلى خطورة الاستمرار في ذلك الانحراف الذي كان سيقضي على المبادئ التي قام من أجلها الدين الإسلامي.ولذلك فإن الحسين (عليه السلام) ليس حكراً لطائفة ولا لجنس معين بل هو مدرسة إلهام لجميع الثائرين على الظلم والطغيان. فإن كان ملهماً لثائر هندوسي مثل غاندي فكيف لا يكون ملهماً لكل المسلمين؟
لكن بأي حال عدتِ لنا يا عاشوراء؟ فالأمة تزداد تمزقاً وتشرذما لتتم محاولة تحويل هذه الذكرى من وسيلة لجمع الأمة حول مبادئ الثورة ضد الظلم إلى أداة لإذكاء الشحن الطائفي بفعل بعض المتطرفين الذين يقتاتون على هذا الشحن ولا مشروع لهم سوى الفتنة، إضافة إلى بعض الذين لا يحسبون أي حساب لتبعات كلامهم ولا إلى الظرف الإقليمي التي تمر فيه المنطقة. فمن يتحدث بكلام غير مناسب في مكان غير مناسب وفي زمن غير مناسب لا يستطيع الشكوى من ردات الفعل. فالتعدي على مقدسات الغير غير مقبول خصوصاً مع الأوضاع الإقليمية الحالية وتربص البعض وتحينهم الفرص لتضخيم أي حدث صغير من أجل إثارة النعرات الطائفية بعدما فشل مشروعهم التدميري في سورية.وهنا يأتي دور الدولة لإخماد الفتن التي يفتعلها البعض من كلا الطرفين، لكن ذلك لا يتأتى من خلال الخضوع لردات الفعل والهيجان و"البروبوغاندا" عبر مواقع التواصل الاجتماعي لأن هذا الخضوع سيشجع على المزيد من هذه الموجات التي تزيد من الشحن الطائفي ولغة الكراهية.فيجب أن تتخذ الدولة إجراءاتها بعد اللجوء إلى القضاء حتى تكون هناك مرجعية واضحة لتحديد ما إذا كان أي كلام مسيء أم لا. أما إذا استمرت الحكومة في الخضوع لردات الفعل فيجب ألا تكيل بمكيالين لأن هناك أيضاً كلاماً غير مقبول من العديد من الخطباء في الطرف الآخر ومع ذلك نجدها تغض الطرف عن تلك الإساءات. وليت الأمر يتوقف على غض الطرف فقط لأننا نجد الحكومة عبر وزارة الأوقاف تدعو بشكل رسمي بعض الدعاة المعروفين بتكفيرهم لمذاهب إسلامية أخرى ليحلوا ضيوفاً على الدولة ويشاركون ببعض ندواتها وبرامجها التلفزيونية!إن على الدولة مسؤولية كبيرة في حفظ الأمن الاجتماعي للبلد، وإذا كانت تظن أنها بطريقتها الحالية في معالجة الاحتقان الطائفي ستتمكن من ذلك فهي تقع في خطأ كبير، وقد نرى تدهوراً أكثر على هذا الصعيد خصوصاً مع تبعات ما يسمى بالربيع العربي الذي تحول إلى خريف تكفيري يهدد المنطقة برمتها. ودور الحكومة لا يتوقف فقط على السيطرة على الخطاب المتطرف هنا وهناك بل يجب أن يتعدى ذلك إلى تبني نهج يقلل من الجرعة الدينية الرسمية في الحياة السياسية والاجتماعية في البلد. فالتجربة أثبت أن زيادتها تؤدي إلى زيادة الاحتقان المذهبي بدلاً من زيادة روح التسامح والانفتاح، وذلك ليس بسبب الدين نفسه بل بسبب التخلف الذي تعيشه العديد من الشعوب الإسلامية ومنها نحن.