الفيل الأزرق

نشر في 03-03-2014
آخر تحديث 03-03-2014 | 00:01
 فوزية شويش السالم الفيل الأزرق هو اسم رواية الكاتب المصري الشاب أحمد مراد التي أوصلته إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، وهي الرواية الأولى التي أقرأها له، وإن لم تكن الأولى في كتاباته، فقد سبقتها روايته «فيرتيجو» التي حُولت إلى مسلسل تلفزيوني، ثم تلتها روايته «تراب الماس» وأخيرا «الفيل الأزرق» التي أوصلته إلى جائزة البوكر.

أحمد مراد خريج المعهد العالي للسينما قسم التصوير السينمائي، ونالت أفلام تخرجه «الهائمون» «الثلاث ورقات» «وفي اليوم السابع» جوائز للأفلام القصيرة في مهرجانات بإنكلترا وفرنسا وأوكرانيا، كما احتلت روايته «تراب الماس» أكثر الكتب مبيعا، وتمت ترجمة رواياته إلى الانكليزية والفرنسية والإيطالية، مما يدل على مسيرة نجاح متواصل بالرغم من قصر عمر رحلته، وهذا النجاح يثير أسئلة كثيرة، لأنه بالتأكيد لم يأت من فراغ ولابد أن تكون هناك أسباب فتحت له باب هذا النجاح المتلاحق.

عندما بدأت في قراءة الفيل الأزرق شدتني إليها منذ البداية، وبالرغم من الآراء السلبية التي قيلت عنها في تقييم القراء لها في الإنترنت، فإني أكملت قراءتها حتى أعرف أسباب وصولها إلى البوكر، كما أردت أن أعرف مستوى ما يسمى بالرواية الشبابية التي باتت تعني ضعف المستوى والنكسة في الاستخدام اللغوي، والسرقات العلنية من السينما والإنترنت وكتب الآخرين، كل هذه السلبيات لم توقفني عن إكمال قراءتها، وهذا يعني لي أنها تملك مقومات نجاح تستطيع أن تجذب القارئ إليها، فما هي مقوماتها التي أدت إلى نجاحها ووصولها إلى القائمة القصيرة، وربما تحصد جائزتها لهذا العام؟

في رأيي أن رواية الفيل الأزرق ستمثل ظاهرة لكتابة شبابية قادمة ستتمثل بها، وستأخذها كنموذج يحتذي به، ويتم تقليده واستنساخه على نطاق واسع، فهو يعكس شكلا روائيا مفصلا تماما على مقاس هذه الأجيال التي نشأت وتربت على أفلام الكارتون، وأفلام الفضاء والخيال العلمي المبهرة، وعوالم هاري بوتر السحرية وغيرها من أفلام خالقة لخيالات ومعجزات خارقة، كلها نمت طريقة تخيل وتفكير لدى الشباب مختلفة تماما عن الأجيال التي سبقتها ولم تنل مثل هذه الفرصة.

أحمد مراد تغذى من معطيات جيله ودعمها في دراسته للفن السينمائي مما انعكس على كتاباته الروائية التي تُشعر القارئ بأنه يشاهد فيلما متحركا أمام بصره، أي أن كتابته تجسد المشاهد والصور، وهذا يفيد ويغني الكتابة الروائية عنده، وكتابته معتمدة على فن الدراما السينمائي مما يجعل القارئ مربوطا ومشدودا بقوة الحبكة التي تنسجها درامية الأحداث فيها، وهذه أيضا من أسباب نجاح كتابته التي انتهجت السرعة في الأحداث والتلاحق في مشاهدها، وكثرة المغامرات الحكائية العجائبية التي تمسك القارئ وتحبس أنفاسه كما تفعل أفلام الأكشن بمشاهديها.

نأتي إلى اللغة التي عابها الكثير من القراء، أنا وجدتها لغة عصرية شبابية عكست روح شباب هذا العصر، فهي رشيقة سريعة حيوية، حتى إن امتزجت بكلمات أو جمل شعبية أو سوقية فهي ليست إلا انعكاسا لشخصية بطلها وطريقة تعبيره من خلال زمنه، واستطاعت نقل وتصوير الانفعالات بشكل جيد وحميم.

كتابة أحمد مراد عكست تجربة وإحساس الكاتب وخبرته ورؤيته لأمور حياتية كثيرة دلت على رؤية عميقة للحياة والذات وتفاصيلها المعقدة، كلها كُتبت في لغة تحمل تعبيرا حلوا، طازجا وممزوجا بخفة دم محملة بشر وسخرية واستهزاء، لغة شقية مشاغبة عنيفة سوقية أحيانا، لكنها تعطي كاريزما جديدة وخاصة.

يبقى أحمد مراد كاتبا شابا متميزا بالرغم من تأثره الواضح في كتابات الكاتب الياباني هاروكي موركامي الذي لم ينج من سطوة تأثيره أي كاتب من شباب هذا العصر، فكتاباته وعوالمه الغرائبية سيطرت على عقولهم والتهمتها بالكامل، لكن يبقى هناك مجال واسع لأحمد مراد ليتخلص من عوالمه، فموهبته اللامعة ستمكنه من أن يكون له روح وخط لعلامة جودة أصلية تحمل أصالة بصمته.

أحمد مراد علامة لكتابة شبابية مختلفة سترسخ جذورها وستكون علامة فارقة يتبعها جيلها.

back to top