لا شيء يدل حتى الآن على وجود نضج في الممارسة السياسة إلا في حدود ضيقة جداً، ففي كل قضية لا بد من وجود شياطين أو ملائكة بالمطلق، وأي رأي ثالث هو عدو مشترك للخصمين المتناحرين؛ الشياطين والملائكة.

Ad

بالأمس كانت شعارات المقاطعة متداولة في صراع كبير لا علاقة له بمفهوم المقاطعة أو رسالتها حين تتخذ وكيف تتخذ، والآن بعد أن انقشع غبار تلك المنازلات الطويلة، أصبح بالإمكان الحديث عن "المقاطعة" ومن زاوية مختلفة جداً؛ لأن من علق "بادج قاطع" في هذه الحالة ليس الفريق البرتقالي، لكنها حكومتنا الرشيدة التي مارست نهج المقاطعة مرتين لا مرة واحدة.

في المرة الأولى، كانت مقاطعة عالمية ومشهودة وبتأييد واسع ممن رفضوا فكرة المقاطعة عندما لحقت الكويت بركب المملكة العربية السعودية، ورفضت القبول بعضوية مجلس الأمن بسبب "ازداوجية معايير مجلس الأمن وفشله في حل القضية الفلسطينية والنزاع الدموي في سورية...".

السعودية ومن بعدها الكويت أرادتا توصيل رسالة قوية للعالم بأسره بأن هناك خللاً عميقاً أصاب جهاز مجلس الأمن، لم تكذب السعودية على نفسها بأكذوبة "صلح من الداخل"، ولم تنكسر عين حكومة الكويت من حقيقة الدور الحيوي الذي لعبه مجلس الأمن في تحريرها من الاحتلال العراقي، ولم تعبأ بأهمية وجودها كدولة صغيرة في موقع تتقاتل عليه دور كبرى.

ما فعلته كل من الرياض والكويت كان موقفاً أحرج أقوى دولة في العالم والتي تمر الآن في مرحلة "انحطاط" على صعيد سياستها الخارجية؛ لأنها فقدت ميزة التأثير في منطقة تعج بالأحداث الساخنة.

المقاطعة الثانية التي انتهجتها "حكومتنا البرتقالية" حدثت عندما قاطعت مؤتمر الطاقة المتجددة في الإمارات بسبب مشاركة "الكيان الصهيوني" فيه، حكومة دولة الكويت، وفي زمن صار فيه الكلام عن القومية العربية "نكتة"، اتخذت موقفاً قومياً أصيلاً انسجم مع قرارات جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي ومقولة أمير القلوب الشيخ جابر الأحمد "ستكون الكويت آخر دولة عربية تطبع مع إسرائيل"، لم تبحث لنفسها عن مبررات أن الكثير من الدول العربية وأولها أصحاب القضية الذين "طبّعوا ونسخوا" ولم "تتفذلك" بشعار "نترك الطاقة المتجددة لمن؟"، ومن يقل عن الحكومة إنها جاملت أو خضعت للتيار الديني أرد عليه بالسؤال "وما فائدة الصوت الواحد يا حظي؟".

ختاماً، المقاطعة كما أراها ويراها غيري كثيرون، موقف وليست مبدأ، وقد يتبدل الموقف بتبدل الأسباب، و"حكومتنا البرتقالية" وجدت الأسباب واتخذت قرار المقاطعة ولم تتردد.

يبقى أن من لديه الأسباب لمقاطعة أي انتخابات قادمة يجب أن يُحترم لا أن يتهم بنقص الوطنية أو تقويض نظام الحكم، خصوصاً أن أساطين الدفاع عن الحكومة- من أمس واليوم- باتوا يزايدون على المقاطعين في نقد الأوضاع العامة التي ساهموا في صناعتها، في تشديد على أن أسباب المقاطعة تتفاقم والأيام حبلى بالمقاطعين و"الزعلانين".