أكد الكاتب محمد السعيد أهمية تصويب المعلومات الخاطئة المتعلقة بالإرث الحضاري والإنساني، ضمن محاضرة أثرية بعنوان «عندما حكم الخليجيون بلاد الرافدين»، نظمها ملتقى فيلكا الثقافي في مطعم الساحة مساء أمس الأول، حضرها عدد من المهتمين بالشأن الأثري والفني.

Ad

بداية، أكد الكاتب محمد السعيد أن أبناء المنطقة هم الأجدر من غيرهم في قراءة مكونات الإرث المتنوع في جزيرة فيلكا، لأنهم سيتّبعون منهجاً بحثياً يمزج إلى أسس واقعية ومعايير تاريخية مدعمة بأسلوب علمي وفقاً لمعطيات متباينة مستمدة من مصادر مختلفة، ربما لا تتوفر للباحث الأجنبي، لافتاً إلى أن الأمين العام المساعد لشؤون الآثار والمتاحف في المجلس الوطني شهاب عبدالحميد يسعى إلى تصحيح بعض المعلومات المغلوطة، التي تروّج لها بعض بعثات التنقيب الأجنبية التي عملت في الكويت، إذ لاحظ في إحدى زياراته إلى اليمن وجود تشابه كبير في الحجر الموجود في فيلكا، مرجحاً استقدام هذه النوعية إلى الجزيرة خلال فترة تاريخية قديمة بعكس رواية إحدى البعثات الأجنبة التي رجحت استقدام الحجر من بلدان أخرى.

ثم قدّم السعيد شرحاً جغرافياً عن نشأة الجزيرة وتسمياتها، وقال ضمن هذا الإطار من خلال رسالة يبعثها إلى فيلكا: «تحيط بك الصخور إلا مكاناً واحداً، هذه الإحاطة تجعل منك خندقاً، الخندق هو «إيكو» بلغة الأكاديين الذين جاؤوا من الغرب، مستعمرين حتى بداية الألف الثاني قبل الميلاد، صارت الايكو إيكارا وإيكاروم فإيكاروس الابن الضال بمجيء اليونانيين في الـ400 قبل الميلاد».

وأضاف: «يشكل مدخل الجزيرة حوضاً مائياً تحيط به اليابسة، أي خندق آخر، إنك تشكلين الهندسة المعمارية للمزار، وكأن الصخور التي تحيط بسواحلك بقايا أعمدة تحيط بمزار».

ويحدد السعيد نشأة الجزيرة، وقال ضمن هذا السياق: «كنت في بطن الماء ثم تمت ولادتك أرضاً طاهرة في الألف الثالث قبل الميلاد، وكل مولود إنما هو طهارة تثير الفرح، لقد جدت بنصوص نادرة، فأغلب نصوصك تصويرية».

رموز عددية

وفي ما يتعلق بالرموز لدى الآلهة في بلاد الرافدين، أوضح أن جلها لها رموز عددية ترتبط بحالات الإله، مشيراً إلى أن بعض الآلهة اتسعت رقعتها الجغرافية، ولكن جاءت بأشكال أخرى وأسماء مختلفة، ومنها الإله أدد الذي اتخذ أشكالاً منوعة منها بعل في منطقة الشام، ودورغا في الهند، من منجزات دروغا قتل الثور والاستيلاء على أسلحة الآلهة، وربما هذا الأصل الدلموني لدورغا يفسر حج الهنود، الذي وثقه الرحالة، إلى سعد وسعيد».

وتابع السعيد: «اكتشف الإنسان في العصر الحجري الحديث أن ما يهدد الزراعة هو الطقس، فبإمكان مطر جارف أن يهدم السدود ويخرب المزروعات، معتقدين أن فعل التدمير مرهون بسخط أدد».

قراءة في الأختام

في حديث عن الأختام الفيلكاوية، يسرد السعيد ملامح بعض الرمز، مبيناً أن أدد يظهر من خلال ثوريين، أحدهما يقفز أمامه قرد كناية عن جنون الثور وجموحه وتدميره، والثور الثاني مستقر، وفي بعض الأحيان يمسك من رأسه من قبل رجل مستقر على كرسي، كما يرصد في أختام أخرى انفعال الثور.

ويقدم السعيد شرحاً مفصلاً لأحد الأختام، إذ يرصد في الأعلى علامة الايكو، أما الغزال فهو الحيوان الذي اشتهرت به الجزيرة، يمثل الإله «أنزاك» هنا بمسمار الكتابة، أو تدل علامة الرحمة على الكاهنة التي تمسك بمسمار الكتابة، في الحالين، سواء كانت الإشارة على المعبد أو الجزيرة، فإن التشكيل يقيم من فيلكا كلها معبدا لإله الكتابة. ويتتبع السعيد ختماً آخر، ويتساءل: «فماذا يكتب هنا إله الكتابة؟ في الأسفل نجد 6 دوائر، 3 على كل جانب، ثم في القاع نجد ثوراً، إن أمامك ثور يافيلكا».

شياطين المجاعات

واستطرد السعيد في الحديث عن بعض المعتقدات السائدة في الجزيرة آنذاك، وأشار إلى أنهم كانوا يهتمون بطينك ويشربون عرقك -عرق الأرض-، كان طينك مهدداً من قبل شياطين المجاعات والكوارث والأوبئة، لهذا لابد من تقويته من خلال دفن صورة الثور فيه، وبذلك يتم تطويق هذه الممارسات، هكذا اعتقدوا ولابد من جهة أخرى من دعم الماء الصاعد من أعماقك، وهذا يكون بإدخال صور دامو إله الماء الصاعد في أعماق النبات».

وبشأن دفن الأختام، شدد على أن الأختام كتابة تدفن في الأرض في سبيل قراءتها في لوح الواقع، والذي يكتبها على لوح الواقع هو أنزاك إله الكتابة، أما الذي يكتب الختم ويرسله إلى الإله فهو كاهن أنزاك، وهناك أختام تزرع الأكيتو، عيد الأفراح الربيعية، المصحوب ببعض مظاهر الاحتفال بعودة الطبيعة إلى الحياة، وفي ختم آخر، ذكر السعيد، يمثل الزواج المقدس هنا بزواج نينارتو الجانب العاصف من آدد بجولا حامية دلمون، يرمز هنا لنينارتو بالوعل، أما حاميه دلمون بالاوزة، فكانوا يعتقدون أن الوزة إلهه الخلود وليس هذا غريباً، فالأوز العراقي أطول الحيوانات عمراً، لقد كانت الأختام تدفن أو تزرع في الخريف في وسط طقوس من البكاء والعويل.

ثم فتح باب النقاش، بعد أن لفت محتوى الندوة الحضور، فاستفسروا عن مجموعة نقاط تتمحور حول الأختام وأدوات صناعتها.

يذكر أن المحاضرة تضمنت قراءة في بعض الأختام التي تم عرضها عبر جهاز البروجكتور، وسيكون هناك جزء ثان يستكمل فيه السعيد الحديث عن هذا المحور.