لا للعنف... رسالة لم تصل!
لا شك أن العنف بكل أشكاله- الأسري والمجتمعي والسياسي- قد تزايد في السنوات الأخيرة حتى لا يكاد يوم يمر دون أن نقرأ خبراً لجريمة قتل أو اعتداء عنيف بالضرب المفضي إلى الموت أو العاهات المستديمة ولأسباب في معظمها تافه للغاية، ولا يستحق في أماكن أخرى من العالم أن يضيع شخصان- المعتدي والمعتدى عليه- مستقبلهما لأجله، وهو لا يعدو أن يكون خلافاً لـ"خزة عين" أو حادث مرور في معظم الأحيان!بطبيعة الحال لم نصل إلى هذه المرحلة من العنف "المستهتر" بحياة الإنسان في ليلة وضحاها، فخلال العشرين عاما الأخيرة، أي في مرحلة ما بعد الغزو العراقي، تغيرت كثير من المفاهيم والقيم التي كانت تسود المجتمع الكويتي في عهد الثمانينيات وما قبلها، حيث كانت أي جريمة قتل- على ندرتها- تكون حدثا يشغل الرأي العام، فكانت أمراً مستغرباً للغاية في ذلك الوقت للطبيعة المسالمة التي كان عليها المجتمع الكويتي وكذلك المقيمون على أرضها، ولأن أعداد السكان قد تضاعفت مرات عدة خلال العشرين عاما الماضية وتنوعت أطيافهم وجنسياتهم، كان لابد من أن يحدث تغير هائل في سلوكيات المجتمع وعاداته وأفكاره التي كان العنف أحدها، يضاف إلى ذلك انحطاط الفن الكويتي حيث لا يخلو أي مسلسل على تفاهة قصته من العنف الحاصل بين أفراد الأسرة كوسيلة وحيدة للتفاهم بين الزوج وزوجته والأخ وأخته، وبالطبع، يحرص المخرجون العباقرة على أن تمتلئ مقدمة المسلسل بالصفعات والركلات- يكون مسوين أكشن- ليشاهدها الصغار والمراهقون ويتعلموا منها أسلوب التفاهم الراقي مع الآخرين!
كما لعبت "الواسطة" والفزعة العائلية والقبلية لإخراج من يعتدون من أبنائهم على الآخرين سالمين غانمين دورا كبيرا لدى الشباب في الاستهانة بآلام الآخرين والتمادي في الاعتداء عليهم لأتفه الأسباب، والمثل يقول "من أمن العقوبة أساء الأدب"، والجماعة أمنوا العقوبة ولم تعد تشغل بالهم حين يحدون سكاكينهم وسواطيرهم ليضعوها أسفل مقعد السيارة تحسباً لأي طارئ! ومعظم هؤلاء لا يمتلكون الخيال لتصور عاقبة أفعالهم على الآخرين وعلى أنفسهم، وذلك لقلة الوعي أو الجهل؛ لذلك كان من الضروري أن تبادر الجهات المعنية كوزارة الشؤون أو الإعلام أو التربية أو الداخلية في القيام بدورها بتوعية المجتمع للحد من هذه الظاهرة التي تتزايد كل يوم دون أن يتحرك أحد للتقليل من آثارها ومضارها، وقد شاهدت بالفعل قبل أيام فيلما قصيراً مدته 3 دقائق تقريبا بعنوان "لا للعنف" من إنتاج وزارة الشؤون، وهو عبارة عن عدة مشاهد لأشخاص من فئات عمرية متنوعة يتعاركون دون سبب وفتاة تقوم بتصويرهم، وعلى وجهها ملامح الحزن والأسى ثم بعد ذلك فجأة يتعانق المتعاركون ويتصافحون بحرارة دون أي سبب منطقي لهذا التحول المفاجئ في مشاعرهم نحو بعضهم بعضا لتظهر كلمة "لا للعنف" مع تحيات اللجنة الإعلامية لحملة كذا!حسناً، هذا جهد مشكور، لكنه واسمحولي بهذه الكلمة، مغرق في السذاجة، ولن يغير في سلوك أي أحد، وكان واضحاً الاستعجال في الأمر والحماس لعمل شيء أي شيء، والسلام! وفي رأيي أنه كان من اللازم الاكتفاء بمشهد واحد لاثنين يتعاركان لسبب تافه فيصاب أحدهما ويعتقل الآخر، ثم يتم الانتقال لما بعد الحادثة، حيث حال المعتدي خلف القضبان والمعتدى عليه في المستشفى، الأول يقضي سنوات خلف القضبان والآخر يعيش عمره في عاهة مستديمة، وكذلك إظهار الوالدين والحزن الذي جره عليهما ابنهما بعمله الطائش وغير المسؤول!بالطبع، لو استلم الأمر مخرج مقتدر فسيصوغ المشاهد بحرفية عالية يكون لها تأثيرها الكبير في المشاهدين، حيث تبيان عاقبة الفعل وأثره المستقبلي هو الرسالة التي ينبغي إيصالها إليهم، على أي حال، نشكر من قاموا بعمل ذلك الفيلم وإنتاجه رغم أنه لم يعجبنا، فعلى الأقل اجتهدوا وبذلوا ما في وسعهم، وإن لم يحالفهم التوفيق تماماً!