تقول المخرجة ابتسام مراعنة إنها سعت في فيلمها الوثائقي «سجِّل أنا عربي» إلى التعرف إلى شخصية «ريتا» الشاعر محمود درويش الحقيقية، إلى أن التقت بها في برلين حيث تعيش الآن، وأن اسمها الحقيقي هو تماري بن عامي، كانت تعمل راقصة، التقى بها درويش للمرة الأولى وهي في السادسة عشرة من عمرها بعد انتهائها من أداء رقصتها خلال حفلة للحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي كان درويش أحد أعضائه قبل استقالته منه.

Ad

ويعرض الفيلم للمرة الأولى عدداً من خطابات الحب التي كتبها درويش إلى حبيبته تماري باللغة العبرية التي كان يجيدها، ومن بينها خطاب يقول لها فيه: {أردت أن أسافر إليك في القدس حتى أطمئن وأهدئ من روعك. توجهت بطلب إلى الحاكم العسكري بعد ظهر يوم الأربعاء كي أحصل على تصريح لدخول القدس، لكن طلبي رفض. لطالما حلمت بأن أشرب معك الشاي في المساء، أي أن نتشارك السعادة والغبطة. صدقيني يا عزيزتي أن ذلك يجيش عواطفي حتى لو كنت بعيدة عني، لا لأن حبي لك أقل من حبك لي، ولكن لأنني أحبك أكثر. حبيبتي تماري، أؤكد لك مرة أخرى أنني معك، وأنك لست وحدك. ربما ستعانين بسببي، ولكنني أقف إلى جوارك. شكراً لك يا تماري، لأنك جعلت لحياتي طعماً. إلى اللقاء. حبيبك محمود}.

تانيا رينهارت

ذكر درويش في المقابلة التي أجراها معه الشاعر عباس بيضون أنه كان صديقاً ليهود كثر، ويرى أن مواقف أهل الفتيات اليهوديات من إقامة بناتهن علاقة مع عربي تختلف «باختلاف مصادرهن وتربيتهن الأيديولوجية». ويضيف: «أحببت مرة فتاة لأب بولندي وأم روسية. قبلتني الأم ورفضني الأب. لم يكن الرفض لمجرد كوني عربياً. ذلك الحين لم أشعر كثيراً بالعنصرية والكره الغريزي. لكن حرب 1967 غيَّرت الأمور. دخلت الحرب بين الجسدين بالمعنى المجازي، وأيقظت حساسية بين الطرفين لم تكن واعية سابقاً. تصور أن صديقتك جندية تعتقل بنات شعبك في نابلس مثلاً، أو حتى في القدس. ذلك لن يثقل على القلب فحسب. ولكن على الوعي أيضاً. حرب 1967 خلفت قطيعة عاطفية في علاقات الشبان العرب والفتيات اليهوديات». وفي المقابل، يزعم الفيلم أن تماري هي من تركت درويش بعدما التحقت بالخدمة في سلاح البحرية الإسرائيلي رغم توسله لها بالبقاء.

تناقض معلومات نشرت سابقاً ما جاء في الفيلم. يقال في دوائر ضيقة إنّ ريتا هي تانيا رينهارت التي توفيت في نيويورك بأزمة قلبية مفاجئة... ولدت عام 1943 وتربّت مع أمها الشيوعية في حيفا، وتتلمذت على يد تشومسكي في اللغويات، فقد ذهبت مثله بقوة إلى الكتابة السياسية. وحتى وفاتها المفاجئة، كان شغلها فضح سياسة إسرائيل والدول الغربية، إضافةً إلى كونها من مناصري المقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل.

نساء أخريات

 حين زار صاحب {لماذا تركت الحصان وحيداً؟} بيروت قبل سنوات قليلة من وفاته، طلب مقابلة هيفا. كان برفقة صديقين له، توفي أحدهما والآخر لم يتردد في مدح تمثيل هيفا في فيلم {دكان شحاته} للمخرج المصري خالد يوسف. ويؤكد هذه {الخبرية الدرويشيّة} كثير من المثقفين. حتى إن هيفا بكت يوم رحل الشاعر الفلسطيني الكبير وندمت لأنها لم تقابله. فهل استوحى درويش قصيدة من {هيفا} كما استلهم من بعض النساء والعاشقات، خصوصاً {ريتا}، أم أنه كان يودّ أن يرى الحسناء اللبنانية عن قرب فحسب وهو الهارب من {معجبات كثيرات}؟ يُذكر أن بعض صحافيي {المقاومة الخمينية} شمتوا به لحظة موته، لأنه كان محاطاً بكثير من المعجبات وغير قادر على تلبية رغباتهن، كما زعموا.

وفي لقاء دمشقي في العاصمة السورية حين سئل محمود درويش عن الفاتنات، رفض الكلام لأنه سيغدو ادعاء، لكن التنكيت سلطان في هكذا مناسبة تقول الصحافية سعاد جروس، {فكانت البداية هي الخلاف حول مقاييس الجمال، إذ يعجب درويش بجمال هيفا، ولا يزعجه {السيليكون}، إذا كان يصحح عيوب الخلق}. هكذا يعجب الشاعر الأكثر تأثيراً، بالنجمة الأكثر تأثيراً وحضوراً، هذا أمر إيجابي، يدلّ على أنّ الشاعر كان بمنأى عن عقدة {المرأة المثقفة}، بل يبحث عن المرأة الجميلة بامتياز. الأرجح أن كثيراً من الشعراء لا يحبون {المرأة المثقفة} بمعناها التقليدي، هم يحلمون بأنوثة المرأة ربما من باب الذكورية، أو ربما من منطق أن {المرأة المثقّفة رجل آخر}. على أن درويش الذي كان معجباً بهيفا، تزوّج مرتين، وهو في أكثر من جانب طالما كان يبدو غامضاً بشأن {حادثة} الزواج، روى ذات مرة: {يقال لي كنت متزوجاً، لكنني لا أتذكر التجربة}. قابل رنا قباني في واشنطن عام 1977 وتزوجا لثلاثة أعوام أو أربعة، غير أنها تركته لتحصل على شهادة الدكتوراه في جامعة كامبردج، وكان مستحيلاً الاستمرار، وقيل الكثير بشأن هذا الزواج، سواء في موضوع غيرّة درويش أو الذكورية التي مارسها.

وتزوج درويش لنحو عام في منتصف ثمانينيات القرن العشرين مترجمة مصرية اسمها حياة الهيني، يقول عن هذه التجربة: {لم نُصب بأي جراح، انفصلنا بسلام، لم أتزوج مرة ثالثة ولن أتزوّج، إنني مدمن على الوحدة. لم أشأ أبداً أن يكون لي أولاد، وقد أكون خائفاً من المسؤولية، ما أحتاج إليه استقرار أكثر، أغيّر رأيي، أمكنتي، أساليب كتابتي، الشعر محور حياتي، ما يساعد شعري أفعله وما يضره أتجنبه}. يعترف درويش بفشله في الحب كثيراً: {أحب أن أقع في الحب، السمكة علامة برجي (الحوت)، عواطفي متقلّبة، حين ينتهي الحب، أدرك أنه لم يكن حباً، الحب لا بد من أن يُعاش، لا أن يُتذكر}. وهو الذي كتب أجمل قصائد الحب}.