فجر يوم جديد: {صُنع في مصر}
هل ثمة علاقة بين نجاح الممثل الشاب أحمد حلمي في تأسيس شركة إنتاجية تحتكر تمويل أفلامه الأخيرة، وبين الهبوط الملحوظ الذي اعترى أسهمه في الآونة الأخيرة؟يقول الواقع إن ثمة خللاً ما أصاب العملية الإنتاجية لأفلامه، وانعكس بالسلب على أدواره؛ فباستثناء باكورة إنتاجه في فيلم «عسل أسود» (2010) تأرجح مستوى أفلامه التالية: «بلبل حيران» (2010)، «إكس لارج» (2011) و»على جثتي» (2013)، وشهدت تبايناً كبيراً في رؤاها ومستواها مُقارنة بأفلامه السابقة: «كده رضا» (2007)، «آسف على الإزعاج» (2008) و»1000 مبروك» (2009). وربما يمكن القول إن جرعة الجرأة والمغامرة زادت أكثر في الأفلام التي أنتجها، بواسطة شركته، لكنها ظلت جرأة شكلية مشوبة بتكرار ما من ناحية الموضوع؛ ففي غالبية أفلامه هو «الحاضر الغائب»، الذي يكتشف أنه يعيش لنفسه، ولا تؤرقه سوى همومه، وفي اللحظة المناسبة، التي تأتي بمثابة النهاية السعيدة، يستيقظ من أوهامه، ويعود إلى رشده وصوابه، ويُدرك أن النرجسية آفة مدمرة تصيب الإنسانية!
في فيلمه الأخير «صُنع في مصر»، الذي كتبه مصطفى حلمي أخرجه عمرو سلامة، نرصد تنويعة على الهاجس نفسه؛ حيث البطل «علاء» (أحمد حلمي)، الذي يملك متجراً لبيع لعب الأطفال، ويملك من حوله شعور بأن وجوده مثل عدمه، بداية من جارته «علا» (ياسمين رئيس)، التي تعمل في متجر ملابس يملكه والدها (عبد الله مشرف)، وتنظر إليه بوصفه فاشلاً، وكذلك أمه «هدى» (دلال عبد العزيز) وزوجها «إبراهيم» (بيومي فؤاد)، والشقيقة الصغرى «فاطمة» (الطفلة نور عثمان)، التي لا يعيرها انتباهاً ولا اهتماماً، ويتجاهل رغبتها في أن يوفر لها الدمى التي تعينها على تقديم عرض مسرحي مدرسي ناجح. يعيش «علاء» لنفسه، ولا يُفلح تهديد البنك بالحجز على متجره للإيفاء بالقرض المستحق في إثنائه عن المضي في طريقه الفردي، والتشبث بسلوكه النرجسي، ما يدفع شقيقته إلى الدعاء عليه، وتتمنى لو أن الروح دبت في دمية «الباندا»، وحلت مكان شقيقها، وتتحقق المعجزة. لكن المتجر يتعرض للسطو والنهب، ويُصبح «علاء» مُهدداً بالسجن قبل أن يكتشف وجود ورشة تصنيع دمى أطفال لم تصل إليها أيدي اللصوص، حيث أفنى والده عمره في تصنيع تلك الدمى التي أحبها، وتمنى لو وظفها في عرض مسرحي جماهيري، غير أنه رحل عن الحياة في «كواليس العرض»، ولم يستمتع بتصفيق الجمهور! تبدلت الأحوال لكن «علاء»، الذي تجسدت روحه في جسد «الباندا» لم تختلف حاله كثيراً، وظل على مبالاته واستهتاره، بينما نجحت «الباندا» في انتشال المتجر من خسارته، وفتحت خطوط اتصال بالشركات الصينية المتخصصة في لعب الأطفال، ووطدت العلاقة مع الفتاة «علا»، وازداد تعلق الطفلة «فاطمة» بها، بعدما حققت أمنيتها، ووفرت لها دمى العرض المسرحي، الذي لحق به «علاء»، بعدما سقط مفعول اللعنة، بعد مفارقات كوميدية عدة! في فيلم «صُنع في مصر» تتردد على مسامعك جمل حوارية تستشعر أنها مألوفة، وأنك استمعت إليها سابقاً، كذلك الحال بالنسبة إلى بعض المواقف الدرامية، ولا يفارقك الشعور أن تركيبة الممثلين يعتريها خطأ في الاختيار والتوظيف، وأنك في صدد وجوه كثيرة لا لزوم لها؛ مثل: دلال عبد العزيز، بيومي فؤاد، يوسف عيد وعبد الله مشرف، غير أنك لا تستطيع تجاهل رؤية المخرج عمرو سلامة، التي تمزج بين الروح الطفولية والنزعة الإبداعية؛ فالتوظيف الجيد لصورة أشرف جابر وديكور علي حسام، وموسيقى أمير هداية، وملابس مي جلال والاستعانة التي حالفها التوفيق بفنان العرائس محمد سلام، الذي تقمص جسد الباندا، وطارق الأمير في دور الضابط، وإدوارد في دور مدير مستشفى الأمراض العقلية، عناصر أسهمت في تغيير شكل التجربة لكنها أبقت على مضمونها الكسيح، وفلسفتها التي توقفت عند حد تكرار الأقوال المدرسية مثل: «من طلب العلا سهر الليالي». وحتى النظرية التي أراد الفيلم للجمهور أن يخرج بها من قاعة العرض،وتقول: «عش يوماً واحداً تفعل ما تحب أفضل من أن تعيش مائة سنة في حياة شخص تاني» بدت ركيكة ومفتعلة للغاية، كونها افتقدت السلاسة، وافتقرت إلى الإقناع، على عكس الطرافة التي تتضمنها بعض المشاهد كالطفلة التي تذهب إلى المدرسة في الليل، وسماعة هاتف منزل العائلة المرفوعة باستمرار، وبيع البالون في المساء، وسقوط البالون بسبب الغراب، ومشهد قسم البوليس الذي كُتب بشكل غير تقليدي.حتى الدقائق الأخيرة التي سبقت ظهور عناوين النهاية لم تكن هناك علاقة، في رأيي، بين عنوان «صُنع في مصر» وما شاهدناه من أحداث لكن، فجأة، وعلى غير توقع رأينا البطل، وهو يُتابع، في ورشة أبيه، تصنيع الدمى ذات الطابع المصري، ويضع عليها مُلصق «صُنع في مصر» بدلاً من «صُنع في الصين» في نهاية هي الأكثر سوءاً... وتلفيقاً!