من «سانتافي»... إلى مسلم البراك!
لن أكون ضمن من ينتقد النائب السابق مسلم البراك، ويكيل له التهم بسبب ما كشف عنه في لقائه الأخير مع الزميل محمد الوشيحي من فضائح فساد لمسؤولين في الحكومة والبرلمان، لسبب عقلاني هو أنه ليس من المعقول أن كل قضايا الفساد والتجاوزات والسرقات والاختلاسات منذ 30 عاماً، بدءاً من قضية "سانتافي" وحتى ما كشفه البراك مؤخراً هو كذب وافتراءات لم ينتج عنها إدانة مسؤول حكومي رفيع واحد، وأن كل تلك القضايا محض افتراءات وأكاذيب، وهذا أمر لا يصدق بالطبع.وما يزيد الشكوك أن الدولة التي تتكشف فيها بين حين وآخر قضايا فساد بالمليارات منذ عام 1985 - ولا أريد أن أرجع كثيراً إلى فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي والتي أصبح فاسدوها و"حراميتها" الآن رجال أعمال يمتلكون ثروات طائلة ويشار لهم بالبنان - لم تتحرك جدياً منذ ذلك التاريخ من خلال الحكومة ومجلس الأمة لسن تشريعات صارمة لمكافحة فساد بعض المسؤولين، مما يوحي بأن هناك بلاء في تلك الدولة وفي بعض من تولى سلطاتها الدستورية طوال السنوات الماضية، وهنا يجب أن نسجل أيضاً أن النائب مسلم البراك وزملاءه في المعارضة لم يكونوا من المتحمسين بشدة لإقرار قوانين كشف الذمة المالية ومكافحة الفساد أثناء فترة عملهم الطويلة في البرلمان.
الطبقة السياسية بشقيها التنفيذي والتشريعي، وعلى صدى فضائح فترة التسعينيات من القرن الماضي كانت تنتج قوانين الحد الأدنى من مكافحة الفساد مثل قانوني حماية المال العام ومحاكمة الوزراء اللذين تكتنفهما ثغرات كبيرة تجعلهما تقريباً بلا فائدة رادعة للفساد والسرقات، وقانون كشف الذمة المالية الذي صدر منذ 2012 يسير على نفس الطريق عبر نسخه إلى صيغة غير مجدية عبر لائحة تنفيذية لم تنجز منذ سنوات ويثار العديد من الشكوك حول مضمونها لتستمر حالة الفضائح المالية المتوالية التي حتى إن لم يدن فيها أحد في المحاكم فإن الرأي العام يحاكم ويدين المتهمين شعبياً ومعنوياً، ولكن دون عقاب فعلي لهم واسترجاع للحق العام المتمثل في الأموال المنهوبة، وهي الحالة التي تُفتِت الكيان وتتآكل معها الثقة الشعبية في الدولة ومؤسساتها حتى يقع المحظور الذي يسقط الدول ويدخلها في الفوضى والخراب.مسلسل الفضائح المالية في الكويت يتوالى وتفاصيله أكثر تشويقاً وبوليسية مع تزايد فوائض الدولة ووصولها إلى أرقام خيالية مقارنة مع حجم الكويت وتعداد سكانها، وفي هذه الحالة المالية الممتاز لدخل الدولة وتراكم فوائضها فإن شهية الفاسدين تزداد شراهة، في مقابل فشل الدولةِ في المشاريع التنموية والخدماتية للمواطنين، واستخدام المتنافسين السياسيين وأجنحة السلطة ملفات الفساد في معاركهم المفتوحة بغرض تصفية الخصوم وليس الإصلاح الحقيقي، وهو صراع مدمر للبلد وجميع مؤسساته، بينما الدولة تتفرج ولا تتحرك لتفعل شيئا لحسم هذا المشهد العبثي الخطير بتنفيذ فوري لقانون كشف الذمة ووقف ثنائية مزاولة الأعمال التجارية والسياسة كما تفعل الدول الديمقراطية المحترمة، فماذا ستكون نتيجة هذا المشهد الوطني المروع وتبعاته؟ الله يستر!