ما قل ودل: قرار الحرب والمزايدة على مصر
المزايدة على مصر أفقدتهم حياءهم
المبادرة المصرية لوقف نزيف الدم الفلسطيني في أبشع مذبحة تعرض لها الشعب الفلسطيني اهتبل البعض قبول إسرائيل لها عندما أطلقتها مصر، بعد رفض حماس لها بالمزايدة على مصر بأنها تقف إلى جانب إسرائيل، وقد اعتادت مصر على هذه المزايدات، فلم تعد تأبه لها، أو تنصاع لرد فعلها، المزايدة على مصر من هؤلاء الذين يتعاونون عسكريا مع إسرائيل ويتبادلون معها الخبرات العسكرية ويقيمون معها المناورات العسكرية قد أفقدتهم حياءهم.لقد خرج هؤلاء الذين يزايدون على مصر على قيم الحياء، عندما طالبوها بإعلان الحرب على إسرائيل،أيها المزايدون على مصر استحوا فإنكم إنما تزايدون على دماء الفلسطينيين التي سالت أنهاراً ومدراراً على أرض غزة في أبشع مذبحة في عالمنا المعاصر.إن نيرون الذي أحرق روما يستحي من مزايداتكم على هذه الدماء البريئة، فقد كان مجنوناً يعزف على قيثارته وروما تحترق أما أنتم فأي قيثارة تعزفون عليها وأنتم تزايدون على هذه الدماء؟إن الحياء قيمة خلقية عظيمة، ومن عظمته أن المولى عز وجل اتصف به في قول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم "إن ربكم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردها صفرا، ليس فيها شيئا"، وفي قوله تعالى "والله لا يستحي من الحق".أي حرب هذه التي يدعون مصر إلى إعلانها باسم النخوة والفروسية التي يحملون رايتها في مزايداتهم.قرار الحرب في هذا الزمن خطيئةإن قرار الحرب في زمن الضعف والهوان الذي نعيشه، في زمن الانقسام والضياع الذي نكتوي في أتونه وهم عريض، وضرب من الخيال البعيد عن الواقع، لا يقبله منطق أو عقل، والآلة العسكرية الإسرائيلية تملك كل ما لدى الترسانة العسكرية الأميركية من أسلحة متطورة وأسلحة دمار شامل، (مئتي رأس نووي) بل تفوقها في بعض الأسلحة.إن هذه الحقائق يعلمها حكام العرب كلهم، ويعترفون بها في مجالسهم الخاصة، كما أن مزايدة بعضهم على مصر وشعبها أمام شعوبهم ستزيد من الهوة التي تفصل بين شعوب الأمة العربية، ولن تخلِّف إلا مزيدا من الانقسام والضياع، وهذا هو ما يراد لهذه الأمة من أعدائها المتربصين بهـا. إن نبذ خلافاتنا العربية وعودة التآخي والتضامن العربي والوقوف صفاً واحداً في مواجهة العدو الصهيوني الغادر هي طريقنا الوحيد لاكتساب احترام العالم الذي لا يقف إلا مع الأقويـاء.وإن مصر قلب الأمة العربية النابض بالحياة، لا يمكن أن تتخلى عن دورها القيادي العربي، أو تنسى نضالها عبر تاريخها الطويل من أجل الحفاظ على وحدة الأمة العربية، ومن أجل تحرير كل شبر في الأرض العربية، ومن أجل القضية الفلسطينية، ولن تنسى التضحيات التي قدمها شعبها لهذه القضية وللشعب الفلسطيني، لكي تضيع هدراً دون حل عادل وشامل لهذه القضية.مصر الشعب والدولة و«كامب ديفيد»إن مصر تقف في خندق واحد مع الشعب الفلسطيني، فأمن فلسطين هو أمنها، وأمن كل وطن عربي هو أمنها، وإن اتفاقية "كامب ديفيد"، وبالرغم من بعض القيود التي تفرضها على الحكومة المصرية، لم تنل من إرادة مصر وشعبها في وقوفهما مع الشعب الفلسطيني في كل ما يتعرض له من محن ومعاناة، ولم تستطع أن تنال من إرادة الشعب المصري في رفضه للتطبيع ومد المقاومة الفلسطينية في غزة بما تحتاجه من مؤن وسلاح عبر الأنفاق للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة.ولكن عندما يستغل المزايدون على مصر هذه الأنفاق لتهديد أمنها القومي فإن قرار غلق الأنفاق وردمها يصبح أمرا ضروريا وحتميا وواجبا قوميا، لأن مصر قلب العروبة النابض، إذا سقطت سقط العرب جميعا، كما قال الملك فهد خادم الحرمين الشريفين.معبر رفح والمؤامرة الكبرىوإذا كانت غاية إسرائيل من العدوان الغاشم على غزة، ومن هذه المذبحة تهجير أهالي عزة إلى سيناء ليقيموا عليها دولة فلسطين، فإنها المؤامرة الكبرى على القضية الفلسطينية ليرتاح البيت الأبيض من صداع حل هذه القضية عبر الدولتين.ومن هنا فإن المزايدين على مصر بأنها لم تفتح معبر رفح ليعبر منه الفلسطينيون الهاربون من جحيم الغارات الإسرائيلية فور وقوع مذبحة غزة إما أن يكونوا ضالعين في هذه المؤامرة، وأما أن يكونوا لم يفطنوا لها.وأستعيد في هذا أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر رفض منح الفلسطينيين الجنسية المصرية حتى لا تضيع القضية الفلسطينية، واكتفى بفتح باب التعيين أمامهم في الوظائف العامة المصرية باستثنائهم في قانون الوظائف العامة من شرط الجنسية المصرية للتعيين فيها.