البنوك الكبيرة ... حصة الأسد في السراء والضراء
يبرع كبار المصرفيين عادة في العمليات الحسابية، ولكن عندما يتعلق الأمر بتقييم فوائد وضعهم الكبير بحيث لا يمكن أن يخفق، تميل حساباتهم نحو التخبط، وعلى الرغم من ذلك فإن من حق دافعي الضرائب أن يعرفوا على وجه التحديد كم تساوي ضماناتهم لتلك المؤسسات الضخمة وذات القوة السياسية، ولذلك كان من سوء الحظ أن تمثل الدراسة الجديدة لمكتب المساءلة الحكومي التي حاولت تحديد تلك الفوائد ذلك القدر من التشوش والفشل.وقد تقدم اثنان من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بطلب إجراء تلك الدراسة التي نشرت في الأسبوع الماضي، وهما شيرود براون– ديمقراطي من أوهايو– وديفيد فيتر وهو جمهوري من لويزيانا، وسبق أن طرحا مسودة قانون في السنة الماضية تطلب من البنوك الكبيرة أن تضع جانباً كميات أكبر كثيراً من رأس المال للحماية من الخسائر، ولسوء الحظ لم يتقدم ذلك المشروع نحو الأمام.
وعمد السيد براون أيضاً إلى رعاية جلسة استماع يوم الخميس من أجل مناقشة النتائج التي توصل إليها مكتب المحاسبة الحكومي، وقد مضت المناقشة إلى ما هو أبعد كثيراً من التقرير، ودخلت في الوضع الراهن للعمليات المصرفية، وحدود قانون دود– فرانك، وما الذي يتعين القيام به إزاء البنوك الكبيرة لدرجة تصعب إدارتها... وتستحق هذه الجلسة التي استمرت 90 دقيقة المتابعة، وقد حفظت على موقع اللجنة المصرفية لمجلس الشيوخ على الشبكة العنكبوتية.بعد الأزمة المالية تمثل الجانب الأساسي في الجلسة المذكورة في أنه بعد ست سنوات على الأزمة المالية كان من الواضح أن بعض المؤسسات يظل على قدر كبير من التعقيد والتداخل، بحيث لا يمكن حلها بسرعة وفعالية في حال تعرضها إلى متاعب.ومن الواضح أيضاً أن هذه الوضعية تضفي فوائد مالية على تلك المؤسسات؛ وببساطة يمكن القول بوجود قيمة هائلة في قدرة البنوك على تحقيق أموال من دافعي الضرائب لعملية إنقاذ بدلاً من دفعها نحو إشهار الإفلاس.كانت تلك القيمة هي ما طلب من مكتب المحاسبة الحكومي قياسه وتحديده، ولكن طريقته كانت معقدة واستنتاجاته غير حاسمة إلى حد كبير. وقال التقرير إنه في حين تمتعت البنوك الكبيرة بمساعدة خلال الأزمة المالية فإن تلك الفائدة "ربما تراجعت أو انعكست في السنوات الأخيرة".وقد حاول باحثون في مكتب المساءلة الحكومي تقييم قيمة ضمانات دافعي الضرائب من خلال مقارنة تكلفة إصدار ديون بين المؤسسات من أحجام مختلفة خلال الفترة من سنة 2006 إلى 2013، واستعرضوا 42 نموذجاً في كل سنة باستخدام طرق مختلفة ومتنوعة، وكانت النتائج مختلطة، وفي سنة 2013 أظهرت 18 عملية حسابية من أصل 42 عملية قيمة إيجابية لتلك الضمانات المعنية، في حين طرحت 8 عمليات نتائج قيمة سلبية، ولم تقدم الحسابات الـ16 الأخرى أي قيمة للضمانات الضمنية.مشكلة التباينوتتمثل المشكلة في هذا التباين بأن كبار المصرفيين حتى صناع السياسة سوف يطرحون هذه الأرقام على شكل دليل على تحقيق حل لمشكلة أكبر المؤسسات من أن تخفق، وقد كتبت ماري ميلر وهي وكيلة الوزارة المغادرة للشؤون المالية المحلية في وزارة الخزانة الأميركية تقول حول التقرير المذكور: "نحن نعتقد أن هذه النتائج تعكس إدراكاً متزايداً في السوق إزاء ما يجب أن يكون واضحاً الآن، لقد أنهى قانون دود– فرانك مسألة (أكبر من أن يفشل) على شكل قانون".كما لاحظ التقرير أن قيمة الضمانات الضمنية تختلف، فهي ترتفع بشدة في حالة الضغط الاقتصادي (كما حدث في سنة 2008) ثم تعاود سيرتها الأولى بعد هدوء الأمور، وبكلمات أخرى إذا أردنا العودة إلى مزاج الهلع والذعر فإن قيمة الدعم الضمني من دافعي الضرائب سوف ترتفع بقوة، وخطر التكلفة العالية لعمليات الإنقاذ من دافعي الضرائب سيستمر معنا إلى حد كبير. وقال براون وفيتر في بيان لهما "يؤكد تقرير اليوم أنه في أوقات الأزمة تحصل أكبر البنوك على ميزة تتفوق على المؤسسات المالية في مين ستريت، وقد يحاول الأنصار في وول ستريت القول إن المزايا تقلصت، ولكن إذا تقدم جيش المهندسين بدراسة تفيد في أن نظام الحواجز يعمل بشكل أفضل عندما يكون الطقس صحواً- ولكن لا يمكن التعويل عليه خلال إعصار– فهذا يعني أن نأخذ ذلك مثل دليل على أن علينا أن نتصرف".معالجة خطر البنوك الكبيرة التي لا يمكن إدارتها كان موضوع جلسة الاستماع التي تمت برعاية المذكورين، وبين من شهدوا فيها كانت السيدة أنات أدماتي وهي بروفيسورة في جامعة ستانفورد وإدوارد كين وهو بروفيسور في جامعة بوسطن.كانت حجج السيدة أدماتي التي شاركت مارتن هيلويغ في تأليف كتاب "الثياب الجديدة للمصرفيين" والسيد كين، وهو مرجع في مسألة قيمة الضمانات الضمنية لدافعي الضرائب، مقنعة جداً إزاء عدم اعتبار تقرير مكتب المساءلة الحكومي كدليل على أن البنوك الطائشة لم تعد تمثل مشكلة بالنسبة إلى اقتصادنا.وقد انتقد السيد كين في مستهل الجلسة طريقة عمل مكتب المساءلة الحكومي قائلاً إن من الخطأ النظر إلى منفعة واحدة فقط؛ تكلفة ديون أدنى، وغاب هنا التقييم المتعلق بالفوائد التي حصل عليها مساهمو تلك المؤسسات، وهو عنصر حقيقي تماماً في الضمانات الضمنية.الوقوع في الفخوقال السيد كين إن "مكتب المساءلة الحكومي وقع في فخ التفكير في نفقات الإنقاذ إما على شكل قروض أو على شكل تأمين"، ويتجاهل ذلك التكلفة المتدنية للتساوي إزاء كون ضمانات دافعي الضرائب تنسحب أيضاً على البنوك الكبيرة.يعرف السيد كين موضوعه، ففي الثمانينيات من القرن الماضي ساعد في حساب قيمة الضمانات الضمنية لدى فاني ماي وهي شركة رهونات عقارية عندما كانت مفلسة من الوجهة الفنية، وفي شهادته في الأسبوع الماضي قال السيد كين "إن عمليات الإنقاذ يجب ألا تعتبر على شكل استثمارات أسهم تستحق أخطارها تحقيق عوائد إلى دافعي الضرائب بما لا يقل عن 15 في المئة، ومن المعيب أن يشير مسؤولو الحكومة ضمناً إلى أن عمليات إنقاذ أكبر المؤسسات من الإخفاق تمثل صفقات جيدة بالنسبة إلى دافعي الضرائب".وفي ما يتعلق بطبيعة ضمانات دافعي الضرائب قالت السيدة أدماتي "المساعدات حقيقية وكبيرة جداً، وتكمن المشكلة الرئيسية إزاء تلك الضمانات في كونها تعزز وتوفر حوافز فاسدة وتعمق تضارب المصالح بين البنوك وبقية شرائح المجتمع".ومضت السيدة أدماتي إلى القول "إن البنوك لا تزال تتسم بدرجة عالية من النفوذ، وإن زيادة رأس المال هي أفضل طريقة للتحوط ضد الخسائر".وفي ما يتعلق بتقديرات مكتب المساءلة الحكومي حول تراجع حجم المساعدات التي تتلقاها البنوك الكبيرة قالت السيدة أدماتي "إن الأسواق الهادئة قد تفسح المجال بسرعة للفوضى والاضطراب، والتقلبات منخفضة الآن، ولكني أود تذكير الكل بأن سنة 2006 كانت رائعة من حيث الأداء، وكانت التقلبات متدنية جداً، وحقق كل شخص أرباحاً قياسية"، وبعد أقل من سنة بدأت الأزمة المالية.يذكر أن جلسة الاستماع عقدت قبل يوم واحد فقط من بدء العطلة الصيفية للكونغرس، وعلى الرغم من ذلك فقد اجتذبت اهتماماً أكبر من المعتاد من جانب أعضاء مجلس الشيوخ ووسائل الإعلام.وقال السيد براون "أنا أظن أن الناس يدركون بصورة متزايدة خطورة هذه المشكلة، وقد أكد هذا التقرير أن المستثمر في حال حدوث أزمة حقيقية سوف ينقل أمواله إلى البنوك التي تعتبر أكبر من أن تخفق، وذلك أمر بارز ومثير للقلق حقاً؛ لأن النظام يستمر في مكافأة السلوك المحفوف بالمخاطر".Gretchen Morgenson