حرج مقلوب!

نشر في 25-02-2014
آخر تحديث 25-02-2014 | 00:01
 د. ساجد العبدلي لو حرص المقترضون على أن يكتبوا ما عليهم من التزامات مالية لغيرهم وأن يشهدوا شهوداً على ذلك، كما جاء في الأمر القرآني، لكان خيراً لهم، ولو هم اعتذروا بشكل مباشر وصريح عندما يتعذر عليهم السداد في الموعد المحدد، وطالبوا بالمهلة لكان أرفع قدراً لهم وقيمة من حالتهم وهم يتهربون ويتحاشون الالتقاء بمن أقرضوهم.

   من الأمور التي يصعب عليَّ استيعابها كثيراً كيف ينقلب اتجاه الحرج في العلاقة ما بين المقرض والمقترض بمقدار 180 درجة تماماً؟

يأتي أحدهم لصديق أو قريب له يسأله قرضاً حسناً لطارئ من طوارئ الحياة وما أكثرها، ورغبة في الأجر والخير أو ربما تحت وطأة الحرج الاجتماعي أو لأي سبب آخر، يقوم هذا الصديق أو القريب بإقراضه، على افتراض أن هذا المقترض سيعيد القرض بعد فترة "معقولة" من الزمن، ولكن ما يحصل في كثير من الأحيان عكس ذلك تماماً، يأخذ المقترض المال ويذهب ولا يعود، ويطول غيابه!

البعض ممن هم على شاكلة هذا المقترض يبدؤون بالتهرب ممن قاموا بإقراضهم، رغبة في عدم الالتقاء بهم بشتى الطرق خجلاً من النظر في أعينهم، لكن هناك صنف آخر أكثر "فجاجة"، لا يتهربون ولا يكترثون بل ينظرون في عيون من أقرضوهم وكأنهم لم يفعلوا شيئاً، فيصبح المقرض هو الواقع في دائرة الحرج، ويظل يكابد خجله في أن يطالبهم بإعادة ذلك القرض الذي طال أمده!

هذه الظاهرة الاجتماعية المتكررة لطالما تسببت في شحن النفوس بين الأقرباء والأصدقاء، وصولاً إلى مشكلات أكبر وللأسف.

أخبرني أحد الأصحاب بالقصة التالية منذ مدة، يقول: "منذ سنوات طلب مني صديق مبلغاً من المال، ولم يكن مبلغاً كبيراً، فلم أتردد في مساعدته لتوافر المال معي حينها ولله الحمد. فوجئت به بعدها بيوم وقد جاءني بورقة ممضاة بخط يده يقر فيها بدينه طالباً مني أن أحتفظ بها لأن الدنيا حياة وممات على حد تعبيره، يقول صاحبي: حاولت إثناءه عن الأمر لأن المبلغ لا يستحق في نظري، إلا أنه أصر. وبعدها بأشهر اتصل بي، والكلام لا يزال لصاحبي، معتذراً عن عدم تمكنه من السداد في الوقت الذي وعدني به لظرف مالي يمر به، وتعهد بالسداد بعدها بفترة معينة، وبالفعل تم ذلك".

أتيتكم بهذه القصة البسيطة لهدف، وهو القول إن هذا الصديق الكريم، المقترض، استطاع من خلال تصرفه الحكيم مع صاحبي، المقرض، أن يقطع دائرة الحرج فيما بينهما طوال مدة اقتراضه منه، بل على العكس من ذلك ارتفع في نظره وزاده استشعاراً بصواب قراره يوم لم يتردد في إقراضه.

الناس بحاجة ماسة لأن يكونوا أكثر شفافية وأريحية في مسألة الإقراض والاقتراض من بعضهم بعضا، فكل إنسان في موضع يحتاج إلى غيره في وقت من الأوقات لأي ظرف من الظروف، ولو حرص المقترضون على أن يكتبوا ما عليهم من التزامات مالية لغيرهم وأن يشهدوا شهوداً على ذلك، كما جاء في الأمر القرآني، لكان خيراً لهم، ولو هم اعتذروا بشكل مباشر وصريح عندما يتعذر عليهم السداد في الموعد المحدد، وطالبوا بالمهلة لكان أرفع قدراً لهم وقيمة من حالتهم وهم يتهربون ويتحاشون الالتقاء بمن أقرضوهم، وفي المقابل من حق المقرض أن يطالب برد الدين في موعده، ولا حرج عليه في ذلك إن هو فعل بشكل صريح ومباشر فهو صاحب الفضل، ولو سكت عن ذلك وتجاهل فإن ذلك من طيبه وإحسانه.

"اللهم إني أعوذ بك من الهمّ والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال"... "حديث شريف".

back to top