جاء في الأثر:

Ad

أن رجلاً كان يسير ليلاً فرأى العسس (الجنود) الذين يسيرون ليلاً، فقال في نفسه قبل أن يسألوني: من أين أتيت؟ وإلى أين تذهب؟ فلأجرِ من أعينهم.

جرى الرجل مسرعاً... فلفت أنظارهم إليه، فجروا وراءه وتبعوه، حتى وجدوه مستتراً في مكان خرب، فلما دخلوا عليه وأمسكوه، نظر أحد العسس فوجد قتيلاً في ذلك المكان الخرب، فقال: انظروا ما هذا؟ لاشك أنك قاتل هذا الرجل، كل الدلائل والملابسات تشير إلى أنك القاتل.

وسأله القاضي: هل لك من حاجة؟

قال: نعم أملهوني حتى أصلي ركعتين لله... فأمهلوه. ثم صلى ورفع يديه بعد أن فرغ من صلاته متضرعاً... "اللهم إنك تعلم أنه لا شاهد لي على براءتي إلا أنت، وأنت أمرتنا ألا نكتم الشهادة، فأسألك ذلك في نفسك...".

وبينما هم كذلك، فإذا برجل أقبل، وقال "أنا قاتل القتيل"... فاندهش الجميع، وقالوا: لم تقر على نفسك ولم يرك أحد؟... قال "والله ما أقررت... وإنما جاءني هاتف فأجرى لساني بما قلت!".

فلما أقر بأنه القاتل، قال ولي المقتول، وهو ابنه: "اللهم إني أشهدك أني قد عفوت عن قاتل أبي من دينه وقصاصه".

سمعت تلك القصة المفعمة بالعبر والمثل والأخلاقيات من فضيلة الشيخ المرحوم محمد متولي الشعراوي، والتي رواها لإذاعة القرآن الكريم بدولة الكويت عام 1992، ومنذ ذلك الوقت ومازالت ترد تلك القصة على ذهني من آن إلى آخر لمدلولاتها العظيمة وعبرها الجمة، فهي تؤكد أن الحذر لا يمنع القدر، وأن التفتيش الليلي واجب لأمن البلاد والعباد، وإنما يتقبل الله دعاء المتقين، وأن دعوة المظلوم مستجابة وليس بينها وبين الله حجاب، وأن الاعتراف سيد الأدلة.

كما أنها ترسخ مجموعة من القيم التي نتمنى من أهلنا التمسك بها، وفي مقدمها العفو عند المقدرة، والابتعاد عن مواطن الشبهات، وإذا سألت فاسأل الله، واللجوء إلى الصلاة في الشدائد، والنأي عن كتمان الشهادة، وحفظ الله في السر والعلانية لأن الله سميع عليم مجيب الدعوات.

قال الله تعالى: "أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء..."، "وقال ربكم ادعوني أستجب لكم".