منذ أشهر قليلة بدأ النائب العزيز راكان النصف حياته السياسية بشكل رسمي، بعد أن حظي بثقة الناخبين وفاز بالمقعد النيابي، ورغم أنه من الصعب تقييم أدائه بعد هذه الفترة البسيطة، لاسيما أن هناك أمنيات وتنبؤات بأن يكون النصف وريثاً لرموز سياسية مرت على الساحة الكويتية، إلا أن المقلق أن الأخ بوحمود يحصر نفسه أكثر فأكثر في قضية الإسكان، ويجعلها عنوانه السياسي ذا الصبغة المطلبية الشعبية، ولا يوجد خطأ في ذلك، ولكنه يجب أن يعلم أن قضية الإسكان في الكويت مثل الرمال المتحركة غاص فيها الكثيرون دون أن يصلوا إلى نتيجة.

Ad

فرئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون كانت له في الاثنتين وعشرين سنة الماضية صولات وجولات في تلك القضية، نتج عنها عدة قوانين كبيرة، منها القانون 47 لسنة 1993، والقانون27 لسنة 1995، وهي قوانين كانت تلزم الحكومة بمهَل زمنية محددة لتقديم الرعاية السكنية، وكذلك مشاركة القطاع الخاص في استصلاح الأراضي، وكلها قوانين ظلت طوال 20 عاماً حبراً على ورق، أو نفذت بشكل جزئي ومشوّه، ولذلك فإن اندفاع مجلس الأمة الحالي بتجاوز مرحلة التشريع إلى مهام تنفيذية بتكليف بيوت استشارية وخلافه، هو أولاً مخالفة دستورية وتداخل للسلطات، وثانياً يورط البرلمان بشكل كامل في تحمل نتائج فشل أي حلول إسكانية سينتجها، كما حدث لمجلس الأمة عام 1992.

وعليه، فإن توجه مجلس الأمة إلى تولي القضية الإسكانية من الألف إلى الياء هو في الواقع فخّ ينصب للسلطة التشريعية، ستكون له تداعيات سلبية كبيرة نظراً إلى الطبيعة الفنية البحتة لتلك القضية وارتباطها تقريباً بكل أجهزة الدولة، من البلدية والأشغال والكهرباء وحتى الدفاع والنفط، وهي جهات متشابكة التخصصات ويعاني بعضها الترهل وضعف الأداء، ما يثقل على أي مشروع جدي لحل المشكلة وربما يفشله تماماً، لذا فالمطلوب أن تتحمل كل سلطة مسؤولياتها ولا تؤسس لممارسات تخالف طريقة عمل دولة المؤسسات، وذلك عبر تجهيز البرلمان للتشريعات المطلوبة لحل المشكلة، بينما تتولى الحكومة تحقيق المنظور الإسكاني الذي قدمه وزير الإسكان السابق سالم الأذينة وتبنته الحكومة.

وهنا أعود مرة أخرى إلى النائب النصف وزملائه في اللجنة الإسكانية المتحمسين للقضية الإسكانية ومعاناة الشباب الناتجة عنها، لأبين أن أية خطة إسكانية، مهما كانت عظيمة وثورية إذا توفرت لها الإمكانيات كافة، فلن تُجنى ثمارها قبل 5 سنوات، بينما تتفاقم معاناة الشباب اليوم بسبب غلاء الإيجارات بشكل كبير ومستمر، واضطرار العائلات إلى أن تنحشر في وحدات سكنية صغيرة وضيقة لتتلاءم مع ميزانيتها، أو تتحمل أعباء فوق طاقتها إن تبنت خياراً آخر، وهو الأمر الذي يتطلب المعالجة على خطين متوازيين، أحدهما على المدى المتوسط لتوفير البيت الدائم، والآخر فوري، عبر توفير البيت المستأجر بسعر يلائم الأسر الناشئة، من خلال اقتراح قوانين تنظم وتلجم غلاء الإيجارات، كما حدث في دبي وغيرها، بحيث ينشئ القانون لجاناً ملزمة لتحديد قيمة الإيجار حسب الموقع والمساحة والتجهيزات، مع معالجة قضية الإيجار في السكن الخاص الذي يمنع توسع المستثمرين العقاريين في بناء مجمعات كبيرة تؤدي إلى انخفاض الإيجارات بسبب توجه معظم الأسر الناشئة إلى الاستئجار في مناطق السكن الخاص.

بذلك يمكن أن تنفرج جزئياً القضية الإسكانية حتى يتم الحل الجذري الطويل الأمد، ومن دون ذلك سيظل الجميع يدورون في دوامة التنظير والوعود المستحيلة التحقيق، بينما تتفاقم المشكلة ويزداد السخط على من يجتهد حالياً لحلها، وربما يكون لذلك انعكاسات سلبية كبيرة على الجيل الجديد من البرلمانيين الذين يتبنون هذه القضية، ومنهم النائب الشاب راكان النصف الذي يضع نفسه في واجهة هذه القضية.