•  المحكمة: قرارات الحكومة بصفتها سلطة إدارة يجب أن تصدر في إطار القانون وتلتزم ضوابطه وحدوده

Ad

•  الإجراء المطلوب من جهة الإدارة يعتبر كاشفاً ولا يتضمن المطالبة بمسألة من مسائل الجنسية

قررت المحكمة الإدارية إلغاء قرار وزارة الصحة تحويل جنسية أحد الأشخاص من «البدون» إلى الجنسية السورية، مؤكدة أن القرارات الإدارية، التي تتخذها الحكومة بصفتها سلطة إدارة، يجب أن تصدر في إطار القانون المنظم لها.

ألغت المحكمة الإدارية قرار وزارة الصحة بتحويل جنسية أحد «البدون» إلى الجنسية السورية، وألزمت الوزارة بجعل بيان الجنسية له بأنه من فئة غير محددي الجنسية، بعدما أقام دعوى قضائية ضد كل من وكيلي وزارتي الصحة والتربية، لإلغاء قرار وزارة الصحة بجعل بيان الجنسية في شهادات ميلاد أبنائه من الجنسية السورية.

وقال رافع الدعوى، في صحيفته أمام المحكمة، إنه من غير محددي الجنسية، وتزوج من مواطنة كويتية ورُزق منها بسبعة أبناء، وتم إثبات أنه من غير محددي الجنسية في جميع أوراقهم الثبوتية في البلاد كشهادات الميلاد وجوازات السفر وبطاقات مراجعة اللجنة التنفيذية لشؤون المقيمين بصورة غير قانونية.

واضاف أنه في شهادة ميلاد ثلاثة من أبنائه تم إثبات أنه سوري الجنسية، في بيان جنسية الأب بصورة خاطئة، ما يستلزم تصحيح هذا الخطأ، لأنه يؤثر على دراستهم وقيدهم في المدارس الخاصة دون المدارس الحكومية، الأمر الذي دفعه إلى رفع الدعوى الماثلة.

ودفعت محامية الحكومة أصليا بعدم اختصاص المحكمة ولائيا في نظر الدعوى، واحتياطيا بعدم قبولها لرفعها على غير ذي صفة، وعلى سبيل الاحتياط الكلي برفضها موضوعا، وفي جميع الأحوال بإلزام رافعها المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.

أعمال السيادة

وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها، إنه عن الدفع بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى تأسيسا على أنها تتعلق بمسألة من مسائل الجنسية التي تعد من أعمال السيادة، فهو غير سديد ومردود عليه بما هو مقرر من أن النص في المادة 166 من الدستور على أن «حق التقاضي مكفول للناس، ويبين القانون الإجراءات والأوضاع اللازمة لممارسة هذا الحق».

وذكرت: «وكذلك في المادة 169 منه على أن (ينظم القانون الفصل في الخصومات الإدارية بواسطة غرفة أو محكمة خاصة يبين القانون نظامها وكيفية ممارستها للقضاء الإداري، شاملا ولاية الإلغاء وولاية التعويض بالنسبة إلى القرارات الإدارية المخالفة للقانون)».

وأضافت: «والنص في المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 20 لسنة 1981 المعدل بالقانون رقم 61 لسنة 1982 بإنشاء دائرة بالمحكمة الكلية لنظر المنازعات الإدارية على أن (تُنشأ بالمحكمة الكلية دائرة إدارية... وتختص دون غيرها بالمسائل الآتية، وتكون لها فيها ولاية قضاء الإلغاء والتعويض: أولاً ... خامسا: الطلبات التي يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية عدا القرارات الصادرة بشأن مسائل الجنسية وإقامة وإبعاد غير الكويتيين وتراخيص إصدار الصحف والمجلات ودور العبادة)».

أصل دستوري

وتابعت المحكمة ان كل ذلك «يدل –وعلى ما جرى عليه قضاء محكمة التمييز– على أن الأصل الدستوري هو أن حق التقاضي مكفول للناس كافة، فيكون لكل ذي شأن حق اللجوء إلى قاضيه الطبيعي، بما في ذلك حق التقاضي في المنازعات الإدارية والطعن في القرارات الإدارية النهائية وإخضاعها لرقابة القضاء، ولذلك كان الأصل في حق التقاضي هو خضوع الأعمال والقرارات الإدارية لرقابة القضاء، وحظر تحصين أي منها من هذه الرقابة، وإن وُجد مثل هذا الحظر، فهو استثناء وقيد على أصل الحق، فلا يجوز التوسع في تفسيره أو القياس عليه بما يمحو الأصل أو يجور عليه أو يعطله أو يتغول عليه، فيقتصر أثره على الحالات وفي الحدود التي وردت به، وأن أعمال السيادة هي تلك التي تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم وليس بصفتها سلطة إدارة وفي نطاق وظيفتها السياسية كسلطة عليا تتخذ ما ترى فيه أمن الوطن وسلامته للمحافظة على سيادة الدولة وكيانها، أما القرارات الإدارية التي تتخذها بصفتها سلطة إدارة، فيجب أن تصدر في إطار القانون المنظم لها وتلتزم ضوابطه وحدوده، ومن ثم فإنها تخضع للرقابة القضائية وتختص المحاكم بنظر الطعن فيها».

وزادت: «وكان الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه هو قرار إداري سلبي يتمثل بامتناع وزارة الصحة عن تعديل بيان الجنسية في عدد من شهادات الميلاد، لأنه ورد فيها بصورة خاطئة تخالف واقع الحال، وإذ كان الإجراء المطلوب من جهة الإدارة لا يعدو عن كونه إجراء كاشفا ولا يتضمن المطالبة بمسألة من مسائل الجنسية التي تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم مما يصدق عليه وصف أعمال السيادة، الأمر الذي يكون معه الدفع المبدى في هذا الخصوص حقيقا بالرفض».

واستدركت: «وحيث إنه عن الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة، تأسيسا على أن المادة الثامنة من المرسوم رقم 467 لسنة 2010 بإنشاء الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية جعلت هذا الجهاز الجهة المرجعية الرسمية الوحيدة للتعامل مع هذه الفئة دون غيره من الجهات الإدارية، فهو أيضا غير سديد ومردود عليه بأن وزارة الصحة هي الجهة المنوط بها استخراج شهادات الميلاد لكل من يولد على أرض دولة الكويت –بصرف النظر عن جنسيته– طبقا لأحكام القانون رقم 36 لسنة 1969 بشأن تنظيم قيد المواليد والوفيات».

تسهيلات إنسانية

واوضحت المحكمة: «هذا إضافة إلى أن قرار مجلس الوزراء رقم 409 لسنة 2011 الصادر بتاريخ 6/3/2011 أوجب تقديم التسهيلات في المجالات الإنسانية والاجتماعية والمدنية لفئة المقيمين بصورة غير قانونية، ومن بين هذه التسهيلات إصدار شهادات الميلاد لهم في اطار القوانين واللوائح المعتمدة في هذا الخصوص».

واردفت ان «القانون رقم 36 لسنة 1969 بشأن تنظيم قيد المواليد والوفيات –بعد أن نص في المادتين الأولى والثانية على وجوب التبليغ عن المواليد بالكويت لمكتب الصحة المختص في موعد أقصاه خمسة عشر يوما من يوم الولادة، وأن يشتمل التبليغ على عدة بيانات منها اسم الوالد ولقبه وسنه وجنسيته وديانته ومهنته ومحل إقامته– نص في المادة الرابعة منه على أن يُعطى المبلغ صورة قيد الميلاد عقب حصوله بدون مقابل، وأنه يجوز لكل ذي شأن –في أي وقت– أن يطلب إعطاءه مستخرجا رسميا من بيانات الميلاد بعد دفع الرسم المستحق الذى يحدده وزير الصحة».

ولفتت الى انه «كما ورد في التعليمات العامة المبينة في نماذج الإبلاغ عن المواليد والوفيات والصادرة من وزارة الصحة أن الوالد قد يكون كويتي الجنسية أو يتبع جنسية دولة معينة، وأشارت –في البند (ج) منها– إلى حالة الوالد غير الكويتي والمقصود بها الوالد الذي لا يتبع جنسية دولة معينة، وهم فئة غير محددي الجنسية، وهذه الفئة يُدرج في بيان جنسيتهم في نماذج التبليغ عن المواليد أنهم غير معلومي الجنسية».

واستطردت: «ومن ثم فإن هذا الوصف لا يمنع من قيد ميلاد أبنائهم والحصول على صورة قيد ميلاد لهم أو مستخرج رسمي منه وفقا للقانون، ذلك أن المشرع ألزم جهة الإدارة بأن تستخرج لكل مولود في الكويت شهادة ميلاد طالما تم إبلاغ الجهة المختصة بوزارة الصحة بواقعة الميلاد مع البيانات المطلوبة، وليس لها أن ترفض أو تمتنع عن إعطاء الأب شهادة قيد الميلاد طالما أنه يطلب هذه الشهادة من واقع البيانات الثابتة في التبليغ لاسيما أن شهادة الميلاد لم تُعد أصلا لإثبات الجنسية وإنما لإثبات واقعة الميلاد».

مستندات رسمية

وقالت المحكمة إن «الثابت من اطلاع المحكمة على المستندات الرسمية المقدمة من المدعي أنها –جميعا– تنطق بوضوح أنه غير كويتي ومن فئة غير محددي الجنسية (البدون)، وكان الثابت من اطلاعها على شهادات ميلاد أبنائه أن وزارة الصحة أثبتت في بيان جنسية الأب لكل من مريم وسارة وإبراهيم ويوسف أن المدعي غير كويتي، بينما أثبتت في ذات البيان لكل من محمد وعبدالله وعبدالرحمن أنه سوري الجنسية، وهو ما يخالف واقع الحال وحقيقة أمر المدعي بدلالة ما ورد في المستندات الرسمية المقدمة منه».

وأضافت: «هذا فضلا عن أن الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية أقر صراحة –في كتابه الموجه إلى الهيئة العامة للمعلومات المدنية– بأنه من فئة غير محددي الجنسية وليس سوري الجنسية، وهو إقرار واضح لا لبس فيه، وصادر من الجهة المرجعية الرسمية الوحيدة للتعامل مع هذه الفئة طبقا لنص المادة الثامنة من المرسوم رقم 467 لسنة 2010 بإنشاء الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع المقيمين بصورة غير قانونية».

وذكرت: «وإذ كان من الواجب على جميع الجهات الإدارية في البلاد التعاون مع هذا الجهاز لإنجاز أعماله، والتقيد بما يصدر عنه من قرارات وتعاميم وكتب في ما يتعلق بأوضاع المقيمين بصورة غير قانونية، وكان في تناقض المستندات الرسمية والبيانات الواردة فيها ما ينال من حجيتها ويزعزع ثقة الناس بها ويؤدي إلى إرباك العمل بمقتضاها، الأمر الذي يتعين معه على وزارة الصحة تصحيح الخطأ الوارد في بيان جنسية الأب في شهادات ميلاد أبناء المدعي بتعديله من سوري الجنسية إلى غير كويتي، ومن ثم يضحى امتناعها عن اتخاذ ذلك ليس له ما يبرره من واقع أو قانون مما يشكل قرارا إداريا سلبيا متعين الإلغاء مع ما يترتب على ذلك من آثار، وهو ما تقضي به المحكمة».