لطالما كانت فصيلة الكلاب موضوع نقاش شائع في التقارير الإعلامية التي تتمحور حول الاعتداءات، ورغم التفاصيل غير الدقيقة التي تشملها تلك التقارير، بحسب أحدث الأبحاث، تؤدي تلك النقاشات إلى نشر أفكار مفادها أن فصيلة الكلب عامل أساسي لتحديد خطر هذا النوع من الهجوم. هل هذه هي الحقيقة فعلاً أم أن هذه الفكرة تحوّل أنظارنا عن عوامل مهمة أخرى تؤثر على سلوك الكلب؟ تقلّ الدراسات في هذا المجال، لكن تشير الأبحاث المتوافرة إلى أن فصيلة الكلب ليس لها أهمية كبرى.

Ad

في جامعة بريستول، أجرينا استطلاعاً بين أصحاب الكلاب في ما يخص السلوكيات العدوانية لكلابهم، مثل الزمجرة والاندفاع والنباح والعض. سألناهم عن نسبة تكرر السلوكيات العدوانية في ثلاثة مواقف: تجاه أفراد العائلة، وتجاه الغرباء الذين يدخلون المنزل، وتجاه الغرباء خارج المنزل. حصلنا على 4 آلاف إجابة تقريباً وحقّقنا بالنتائج لمعرفة ما إذا كانت الكلاب تتصرف بعدائية في أكثر من موقف واحد وما إذا كانت خصائص أصحاب الكلاب (مثل العمر) والكلاب (بما في ذلك الفصيلة) تؤثر على خطر الاعتداء في كل سياق.

استنتجنا أن الكلاب لا تميل إلى التصرف بعدائية في أكثر من موقف واحد من المواقف المقترحة في الاستطلاع. تبين أن الكلاب التي تكون عدوانية مع أفراد العائلة نادراً ما تُظهر العدائية نفسها تجاه الغرباء والعكس صحيح. إنها نتيجة مهمة لأنها تعارض الفكرة القائلة إن الكلب يكون متوحشاً أو أوفى صديق للإنسان بالفطرة.

لن تكون هذه النتيجة مفاجئة بالنسبة إلى كل من يفهم سلوكيات الكلب ويدرك وجود خلفية معينة لكل تصرف عدواني يبديه الحيوان، ويمكن تعقب ذلك السلوك والعودة إلى حدث معين لتبريره. لكنها رسالة بالغة الأهمية للرأي العام: لتقليص الحوادث المحتملة، يجب أن يفهم الجميع أن الكلب يمكن أن يتصرف بعدائية في ظروف معينة. الاقتراب من كلب غريب من دون التحقق من صاحبه أولاً ليس فكرة جيدة، حتى لو بدا الكلب ظريفاً وودوداً مع الآخرين. ويجب أن يفهم أصحاب الكلاب أن حيواناتهم الأليفة الجميلة واللطيفة قد تصبح عدوانية إذا تعرضت لموقف تشعر فيه بما يكفي من القلق أو التهديد.

هل يعني ذلك ضرورة السيطرة على جميع الكلاب بطريقة معينة مثل تكميم أفواهها أو إبعادها عن الأولاد؟ طبعاً لا، فالكلاب تحسّن حياتنا بطرق كثيرة ويعيش معظمها إلى جانب الإنسان من دون مشاكل. كذلك، قد يترافق إبعاد الكلاب عن الناس مع نتائج عكسية، لأن ابتعاد الكلاب عن البشر قد يزيد قلقها وحذرها منهم، ما يرفع خطر الاعتداء. من الأفضل التركيز على نشر التوعية ليفهم الناس سبب تطور السلوك العدواني ويتمكنوا من التعرف إلى أولى مؤشرات المشكلة. إنه أمر ضروري لكل من يقرر اقتناء الجراء لأن المراحل الأولى (كما عند البشر) قد تؤثر بشدة على مسار حياتها كلها. يجب توجيه هذه الرسائل بطريقة بسيطة وواضحة وموثوقة ومتماسكة.

مقارنة

في دراستنا، قمنا بمقارنة بين مجموعات من فصائل الكلاب في مختلف الظروف، وقد تألفت المجموعة المرجعية من سلالات هجينة. في فئة الكلاب التي تتصرف بعدائية مع أفراد العائلة، لم نجد اختلافاً بين الكلاب التي تنتمي إلى فصيلة محددة والكلاب التي تتحدر من سلالات هجينة. في ما يخص العدائية تجاه الغرباء، لاحظنا تراجع الخطر عند كلاب الصيد مقارنةً بفئة السلالات الهجينة، بينما يرتفع الخطر عند الكلاب الراعية (مثل الكلب الراعي الألماني)، لا سيما  عند الخروج من المنزل.

يعني ذلك أن الفصيلة لها تأثير معين على السلوك العدواني في ظروف معينة، لكن بقيت نتيجة ذلك التأثير محدودة. لم يُسجَّل فارق يفوق العشرة بالمئة بين الكلاب العدوانية والكلاب غير العدوانية وفق النماذج الإحصائية التي شملت جميع العوامل المهمة وليس الفصيلة فقط.

تختلف الفصائل المتنوعة في جوانب من سلوكياتها (يدرك أصحاب الكلاب هذا الأمر). لكن في ما يخص خطر الاعتداء، يبقى تأثير الفصيلة محدوداً. تجدر الإشارة إلى أننا لا نعلم ما إذا كانت تلك الآثار مرتبطة بخصائص الكلاب نفسها، لأنها قد تتأثر أيضاً بطبيعة الأشخاص الذين يختارون اقتناء أنواع معينة من الكلاب. لذا لا بد من مراعاة عوامل أكثر أهمية من الفصيلة عند تقييم مدى عدائية كل كلب.

تدابير رقابية

ثمة جانب واحد تحتل فيه الفصيلة أهمية خاصة حيث يمكن أن يرتفع خطر حصول اعتداء من الكلاب: الحجم والقوة. لا يزداد السلوك العدواني عند الكلاب الكبيرة أو القوية أكثر من غيرها، لكن تكون الإصابة أكثر خطورة إذا هاجمت هذه الكلاب البشر. هل يعني ذلك ضرورة حظر الكلاب القوية؟ للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من تقييم الأدلة المتعلقة بفاعلية هذه المقاربة أو تحديد ما إذا كان تخفيف خطر الهجوم عند جميع الكلاب هو النهج الأفضل.

عمدت بلدان عدة، منها بريطانيا، إلى حظر أو ضبط فصائل معينة. لكن أدت هذه التدابير إلى إضعاف فاعلية الرعاية بالكلاب، لا سيما في تلك الحالات الشائبة حيث يتحدد مصير الكلاب استناداً إلى طول أقدامها أو عرض جمجمتها وليس سلوكياتها، ولا ننسى تأثير احتجاز الكلاب لفترة طويلة خلال الإجراءات القانونية المطولة.

تشير المعطيات التاريخية إلى أن هذه المقاربة ليست فاعلة لتخفيف مخاطر الإصابات، بل يرتفع عدد الحوادث رغم اتخاذ تلك التدابير. تكمن المفارقة في واقع أن التشريع الخاص بكل فصيلة قد يزيد عدد الكلاب المنتمية إلى فئات محظورة، ويميل البعض إلى التعاطف مع الكلاب المحظورة واقتنائها. في ظل هذه البيئة، قد تصبح الكلاب خطيرة بالفعل لأن طريقة معاملتها تجعلها عدوانية.

بدل ذلك، يجب أن تركز السياسات على العوامل التي تزيد العدائية في المقام الأول. يعترض معظم الناس حين تتبنى الحكومات مقاربة الحظر (تخيلوا الاحتجاجات التي يمكن أن تنطلق إذا مُنعت السيارات السريعة من الطرقات بسبب ارتفاع احتمال وقوع الحوادث بدل حظر المركبات الأقل قوة بسب القيادة غير المسؤولة). يتخذ المجتمع مقاربة فاعلة لتقليص الخطر الذي يطرحه جميع السائقين بغض النظر عن نوع السيارة التي يقودونها.

يخضع كل سائق جديد لتدريب شامل ثم يخضع لاختبار قيادة نظري وعملي. لقد فرضنا وتقبّلنا القواعد التي تحكم سلوكيات السائقين لتخفيف مخاطر حوادث السير وحددنا القوانين اللازمة لإنفاذها. من المنطقي إذاً أن نطبق المقاربة نفسها لتخفيف مخاطر عدوانية الكلاب تجاه البشر!