ما قل ودل: العاشر من ديسمبر يوم له تاريخ في عامي 1948 و2013

نشر في 15-12-2013
آخر تحديث 15-12-2013 | 00:01
 المستشار شفيق إمام المصادفة البحتة أم هو القدر؟

في هذا اليوم من عام 1948 صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي هذا اليوم من عام 2013، تمت مراسم تأبين الزعيم الراحل نيلسون مانديلا في استاد كرة القدم بجوهانسبرغ.

هل هي المصادفة البحتة، أم هو القدر؟ أن يكون هذا اليوم الذي صدر فيه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، اليوم الذي يتم فيه تأبين قادة وزعماء أكبر دول العالم، وزعماء وقادة أكثر من 90 دولة في العالم وشعوب العالم كله، لأيقونة الحرية، ورمز النضال من أجل تحقيق حلم البشرية في احترام كرامة الإنسان وحقوقه، ونموذج للتضحية والتفاني في خدمة بلده وحقن دماء شعبه، والتسامح والمصالحة بين الأعراق والأجناس التي يتكون منها هذا الشعب، ومصدر إلهام الشعوب في العالم كله.

 إنه نيلسون مانديلا الذي يمثل قيم التضحية والنضال وأيقونة الحرية والرمز والإلهام والتسامح والمحبة... إنه الأسطورة. ولنروٍ قصة هذا اليوم من البداية.

 

الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 

في هذا اليوم (10 ديسمبر 1948) صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ليضم في مواده الثلاثين المبادئ الأساسية التي أجمعت الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة على إقرارها للعمل بموجبها. كما فرضت المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة على الدول الأعضاء، ضرورة احترام مبدأ التعاون الدولي بهدف تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً.

وتوالت أزمات الأمم المتحدة في تطبيق هذا الإعلان، من نكبة فلسطين إلى أزمتها مع الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وغيرها من الأزمات التي فشلت فيها الأمم المتحدة في تطبيق إعلانها سالف الذكر، وهو ما فرض على المملكة العربية السعودية قرارها الشجاع بالاعتذار عن قبول عضوية مجلس الأمن، بسبب الفشل الذي منيت به الأمم المتحدة في تطبيق ميثاقها.

 

الفصل العنصري أو الأبارتيد 

والأبارتيد، هو مصطلح، يرمز إلى سياسة التفرقة العنصرية التي كانت حكومة جنوب إفريقيا تطبقها وتعلنها على الملأ في دستورها وقوانينها، وكانت هذه السياسة تميز 20% من سكان جنوب إفريقيا على باقي السكان، سواء سكان البلاد الأصليون، أو الملونون أو المنحدرون من أصل مختلط، أو الآسيويون الذين نزحوا إلى البلاد، بعد اكتشاف الماس والذهب. ويحدد نظام الأبارتيد لكل هذه الفئات أماكن السكن ونوعية العمل ونوعية التعليم، وحدود الحرية في العلم والتنقل والزواج، وبطبيعة الحال الحقوق السياسية. وطبقا لهذه السياسة، كان نظام الأبارتيد يحدد للأفارقة الذين يشكلون الأغلبية 80% من السكان مساحة لا تحتل سوى 13% من مساحة البلاد في بنتوستانات ثمانية معزولة عن باقي السكان، بعيدة عن مصادر الثروة الطبيعة للبلاد من ذهب وماس ونحاس وفحم، فضلاً عن اليورانيوم.

 

الأمم المتحدة وفشلها في جنوب إفريقيا

ولم تألُ الأمم المتحدة جهداً منذ عام 1952 في التنديد بسياسة التمييز العنصري التي تمارسها حكومة جنوب إفريقيا ضد الأغلبية الساحقة من مواطني هذه البلاد، والتي تدعوها إلى التخلي عن هذه السياسة، وإعلان الأمم المتحدة بأن سياسة الفصل العنصري هي "إنكار لحقوق الإنسان والحريات الأساسية والعدالة، وأنها جريمة ضد الإنسانية وعقبة كأداء في وجه التنمية الاقتصادية وعائق في وجه التعاون الدولي والسلام". إلا أن كل هذه النداءات لحكومة جنوب إفريقيا بالكف عن ممارسة سياسة الفصل العنصري قد ذهبت أدراج الرياح، بل إن الأمم المتحدة قد فشلت في تطبيق قرارها الذي وافقت عليه ثلثا دول العالم في نوفمبر 1962 والذي قررت فيه قطع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع حكومة جنوب إفريقيا بسبب انتهاكها المتواصل لحقوق الإنسان وتشبثها بنظام الأبارتيد، عندما ضربت الدول الكبرى والغرب بالقرار عرض الحائط، فازدادت الاستثمارات الأميركية في هذا البلد من عام 1961 إلى عام 1965 بنسب ما بين 15% إلى 25% سنويا.

وارتفع عدد الشركات الأميركية العاملة في هذا البلد من 90 شركة ومؤسسة إلى 160 شركة ومؤسسة، ومن بينها كبريات الشركات المتعددة الجنسيات. وأصبحت المؤسسة الأنجلو أمريكان كوربوريشن، تنتج في عام 1976 40% من ذهب جنوب إفريقيا و30% من الفحم واليورانيوم، وتشرف على كل مبيعات جنوب إفريقيا من الماس في السوق العالمي. وظل التعاون العسكري ومبيعات الأسلحة مزدهرين بين الدول الغربية، ومعها إسرائيل من جانب ودولة جنوب إفريقيا من جانب آخر.

 

ونجح السجين 4664

ولكن شابا من جنوب إفريقيا هو نيلسون مانديلا قد نجح في حين أخفقت فيه الأمم المتحدة، بقضائه على الفصل العنصري في بلاده، ليكون تأبين العالم له في يوم 10 ديسمبر، وهو يوم صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان اعترافاً بفضل هذا الرجل على العالم كله والذي أصبح إلهاماً لشعوبه.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top