الإحالات الأخيرة التي أعلنتها وزارة الإعلام لعدد من الصحف إلى النيابة العامة، على خلفية نشرها خبر الإنذار القضائي الموجه من وزير التخطيط السابق الشيخ أحمد الفهد إلى رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك لا يمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال مخالفة لحظر النائب العام بمنع النشر في قضية الشريط التي تحقق فيها النيابة العامة، على اعتبار أن الحظر ينصرف إلى التحقيقات التي تجريها النيابة في القضية ذاتها، وإلى الأدلة المرتبطة بها، ولا تمتد إلى الأخبار الصحافية الخاصة لبعض الإجراءات القضائية التي يقوم بها أي من الأشخاص وغير المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بمجريات التحقيق بأي قضية تحقق فيها النيابة.

Ad

كما أن الحظر لا يطول التصريحات ذات البعد السياسي الخاصة بالقضية هنا وهناك، كالتي أطلقها رئيس مجلس الأمة أو رئيس مجلس الوزراء في رده على الإنذار القضائي، كونها لا تتضمن المساس أو التأثير على التحقيقات التي تجريها النيابة العامة في القضية لا من قريب ولا من بعيد، وإلا لقدمنا كبار المسؤولين للنيابة العامة على تصريحاتهم الصحافية بدعوة مخالفة حظر النائب العام!

لا يمكن بأي حال من الأحوال منع وسائل الإعلام من ممارسة دورها الإعلامي غير المؤثر على التحقيقات التي تجريها النيابة العامة، وإلا فالمنع الدائم هو عصف حقيقي بحريات الرأي والصحافة، وهو أمر لا يمكن قبوله، كما أن الدستور لم يطلق يد القانون ولا المؤسسات المطبقة له في اتخاذ إجراءات تنتهك مبادئه، فتنظيم القانون استثناء على أصل الحرية لا قيد على ممارستها، وإلا أصبحت الصحافة كمن يسمع ولا يتحدث بما يراه، وهي بذلك تكون كـ»صحافة الزور» التي تنهض في جمهوريات العالم العربي!

لا يمكن أن تطوع القوانين وتنتقى لضرب بعض المؤسسات الصحافية باسم تنظيم معيب، ولا يمكن أن تجتزأ النصوص من أجل تفعيلها من جانب لتنتهك من جانب آخر المبادئ العامة للدستور التي تسمو عليها بحجة نفاذ تلك القوانين، وهي بذلك تكون الوسيلة التي تبطش بها جهة الإدارة منافسيها بدعوة التنظيم في الوقت الذي تختاره!

أي تنظيم سعت المجالس إلى تحقيقه كقوانين المطبوعات والنشر الذي أقره مجلس الأمة في مداولتين في دقائق معدودة؟ وأي تنظيم تحقق بقانون المرئي والمسموع الذي صدر بما يسمح لجهة الإدارة بحجب البث لأي برامج دون أن يكون للقضاء أي رقابة مسبقة؟ وهي التنظيمات التي كنا نحذر من سوء تطبيقها، وهي لا تختلف عن قانون هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات الحالي، فنتهم بسوء الظن الدائم بالتشريعات وبنية الإدارة الحيادية نحو تطبيقه!

مادامت القوانين تطبق بانتقائية تامة وبهوى سياسي متغير ومن دون مسطرة واحدة يحق لنا أن نربط قوانيننا بالعديد من الضمانات التي قررها الدستور وكفلها لنا، حتى نتمكن في المستقبل من معرفة حقوقنا التي سعى القانون إلى تنظيمها من دون انتهاك للمبادئ العامة للدستور!

لم أكن مخطئا قبل خمس سنوات عندما أطلقت على قانون المطبوعات والنشر «الأعور»، ولا حتى المرئي والمسموع «الأخرس»، لأن تلك القوانين التي صدرت على عجالة بدعوة التنظيم لم يكن الهدف منها إلا إيجاد صحافة وإعلام تلفزيوني لا يرى ولا ينطق، ولو حاد قليلا عن هوى السياسيين فسيتم ضرب عنقه باسم القانون!

كلي ثقة بأن القضاء لن يسمح بضرب الحريات، ولا النيل منها بدعوة التنظيم، ولن يرتضي التوسع غير المبرر في تطبيقها، ولن يساير وزارة الإعلام في غاياتها المعادية للحريات الإعلامية، فقضاء الحريات يدرك تماما مقاصد الإحالات غير المبررة ودوافعها في إخراس الصحافة عن دورها في نقل الأحداث والأخبار غير المرتبطة بمجريات تحقيق جنائي!