حكاية صفية هي آخر روايات الأديبة الكويتية ليلى العثمان، التي احتلت الريادة في الكتابة النسوية الخليجية، فهي من رائدات كتابة القصة القصيرة والرواية وربما حتى المقالة، لذا لن يستطيع أي توثيق للكتابة الخليجية أن يتخطاها أو يغفل اسمها، فهي بالفعل من أسس وابتدر مهنة الكتابة للمرأة في الكويت ومنطقة الخليج، لذا باتت مستحقة بجدارة لهذه المهنة التي مارستها بإخلاص وعشق وتفان طوال هذه السنين، ولم تمارس غيرها، فأنا لم أر حتى الآن كاتبة عاشقة للكتابة بدون تملل أو تأفف أو تراجع أو كسل مثلها، وهذا أمر نادر، فأنا عن نفسي أحمل كرهاً كبيراً للكتابة وأعتبرها مجرد تعذيب وهدر لوقت كان من الإمكان هدره في ممارسة متع تريح النفس والبدن أكثر منها، ولم أكتب أي نص مما كتبته بل في الواقع هي الكتابة من كتبتني، وذلك عكس ليلى الشغوفة بالكتابة التي تندفع إليها كلما قرأت نصا جميلا، فهي كما قالت لي ذات مرة، حين انتهت من قراءة رواية لي بإحساسها المندفع: حكتني يدي للكتابة لما انتهيت من قراءة روايتك.

Ad

وكتابة ليلى جريئة منذ بداياتها، وأظن مصدر الإثارة آتيا من التقاطاتها لمواضيع غير عادية، مثل حكاية وسمية التي تخرج لتقابل حبيبها في الليل فيخبئها في البحر مما أدى إلى غرقها، وفي رواية "العصعص" التي يرى المراهق فيها والده يمارس الجنس مع أمه فتصيبه عقدة نفسية من ظنه أن والده قد نبت له ذيل، ما جعله يقوم بقطع ذيول القطط كلها، وفي رواية "خذها لا أريدها" ترصد قصة أم ترفض أمومتها لابنتها فتتخلص منها لأنها لا تريدها، وفي "حكاية صفية" تكشف ليلى العثمان عن واقع بيوت الدعارة بالكويت أيام ثلاثينيات القرن الماضي التي ربما يجهلها الأغلبية، من خلال حكايتها لصفية التي ولدت بتشويه خلقي جنسي ما جعلها فتاة شبقة تهرول خلف ملذات جسدها ولا ترتدع مهما كانت العقوبات، فحياة ليلى الاجتماعية المفتوحة على علاقات كثيرة متعددة ما بين أسرة كبيرة ومعارف وصداقات موزعة ما بين الداخل والخارج مكنتها ووفرت لها معلومات ورصدا لحيوات أناس متعددة مشاربهم وحكاياتهم، مما أثرى كتاباتها بالاختلاف والتنوع.

حكاية صفية رواية جريئة صورت الجانب المحبب والمفضل لكتابات ليلى العثمان ألا وهو الحياة الاجتماعية في الكويت القديمة، كويت ما قبل ظهور البترول، ذلك المجتمع المغلق على عاداته وتقاليده الذي يرعبه جرح شرف البنت، وصفية الفتاة الجميلة المولودة بطاقة جنسية غير عادية جعلتها تبحث عن كل الطرق لتشبع طاقتها غير العادية هذي، ما أوردها في فضائح ومصائب جعلت والدها يمارس عليها كل الضغوط الممكنة، من حبسها في غرفة لمدة 40 يوما، وأيضا قام بإلقائها من سطح المنزل ولم ترتدع، حتى أودعها سجن الحكومة الذي بقيت فيه 30 سنة حتى مات والدها وقام بإخراجها من السجن أخوها هلال.

صفية التي تعرضت لظلم كبير من والدها ومن قوانين وأعراف مجتمع قاسية تعتبر شرف البنت هو معيار شرف مجتمعي، لذا قام والد صفية بإيداعها السجن مدى الحياة بدون ذنب أتته سوى أنها ذهبت لبيوت الدعارة لأجل المتعة وليس للحصول على المال.

موضوع الرواية جديد ومثير، وكشف عن ماض سري لبيوت الدعارة في الكويت، أو ما كان يطلق عليها اسم "بيوت الوناسة"، وهو الأفضل والألطف من لفظة بيوت الدعارة، وكنت أتمنى أن تكشف الرواية أو تُلقي قليلاً من البوح بمشاعر وأحاسيس صفية المخبأة بجسدها، حتى يعرف القارئ دوافعها الحسية والنفسية والعقلية التي تحرك عقرب توجهاتها، فللأسف الرواية لم تترك للقارئ مجالا ليفهم صفية، ولا أن يفهم أيضا قسوة والدها، الرواية تناولت الحكاية من خارجها كقص حكاية الفتاة ووالدها ومجتمعها، ولم تغص في كشف مستور دوافعها.

ولعل أجمل ما في الرواية خواتيمها، حيث حملت مفتاحا ينير شخصية صفية المسكونة برغبات جسد جامح لا لجام يحكمه، ولا يملك ذرة عقل تسيطر على انفلات صواميله.

وفي آخر صفحة من حكايتها تقول صفية لأخيها بعد أن سألها إن كانت نادمة، فردت عليه بجواب يلخص جوهر حقيقتها: ليش أندم؟ لن أستحي منك، لقد أمتعت جسدي واستمتعت، ولست بنادمة.