ما قل ودل: أمة تولد من جديد (1)
المرأة تستعيد ثورة 1919تمثلت الثورة بالحشود من النساء اللاتي خرجن للإدلاء بأصواتهن، ليجابهن الإرهاب والعنف، نساء مصر اللاتي خرجن في ثورة 1919 يجابهن بصدورهن مدافع جيش الاحتلال، فأشعلن قرائح الشعراء، وقال فيهن حافظ إبراهيم في إحدى قصائده العصماء (معدلة على مقتضى الحال):
خرج النساء يحتججنورحت أرقب جمعهنهفإذا بهن تخذن منخريطة الطريق شعارهنهفطلعن مثل كواكبيسطعن في وسط الدجنه (الظلام)وأخذن يجتزن الطريق إلى لجان الاستفتاء مقصدهنهفالمرأة بهذا الإقبال الكثيف على الاستفتاء قد استعادت دورها في ثورتي 1919 و25 يناير.المرأة والمسنون المفاجأة الكبرى كان إقبال المرأة والمسنين على لجان الاستفتاء للإدلاء بأصواتهم مثار دهشة العالم كله، بالرغم من حوادث العنف التي تناقلتها وسائل الإعلام، والشائعات التي ضخمت من هذه الحوادث، فضربوا بذلك المثل والقدوة في إحساسهم بمسؤوليتهم الوطنية، فضلا عن مسؤولية المرأة، الزوجة والأم، ومسؤولية الأب والجد، كانت هذه المسؤوليات هي التي دفعت حرائر مصر ومسنيها إلى تكبد مشاق الوقوف لساعات في صفوف متراصة أمام لجان الاستفتاء.الاستفتاء الرابع والعشرونلم يكن استفتاء 14 و15 يناير على دستور مصر 2014، هو أول استفتاء في حياة المصريين، فقد عرف المصريون أنواعاً كثيرة من الاستفتاءات، كان أولها الاستفتاء على دستور 1956، وكان أغربها الاستفتاء على اعتقالات سبتمبر وعلى ما سمي بمبادئ الوحدة الوطنية والذي جرى في سبتمبر 1981.كما عرف المصريون ستة استفتاءات أخرى بدءا بدستور 1971، وأربعة تعديلات عليه في أعوام 1980 و2005 و2007 و2011 وعلى دستور 2012 الذي سقط في بئر سحيقة لإقصاء الآخر وتكفيره.وظهرت النتائج حيث زادت نسبة المصوتين على 4%، إذ توافد أكثر من 23 مليون على لجان الاستفتاء من 52 مليون ناخب مقيد في جداول الانتخاب، في حين لم تزد نسبة المصوتين على دستور 2012 على 31 في المئة من مجموع الناخبين، أما الذين صوتوا بنعم فقد بلغت نسبتهم 95% من نسبة المصوتين، في حين بلغت نسبة المصوتين على دستور 2012 بنعم 63%، ومعنى ذلك أن 22% صوتوا بنعم على دستور 2012، وأن 36% صوتوا بنعم على دستور 2014 من مجموع المقيدين في جداول الانتخاب.نتائج غير متوقعة في ظروف صعبةأذهلت هذه النتائج العالم كله في ظروف صعبة وبالغة التعقيد، حفلت مانشيتات الصحف قبل الاستفتاء وأثناءه، بأخبار القتل والعنف وإشاعة الفوضى من جماعة الإخوان: إبطال مفعول قنبلة يدوية بمحطة ماري جرجس، ضبط سيارة محملة بالقنابل والمتفجرات والأسلحة والأقنعة، إرهابيو الإخوان يثيرون الشغب بعين شمس وحلوان ومدينة نصر، الأمن يجهض مخططات إرهابية لعرقلة التصويت على الدستور، ضبط 3 ليبيين وسوري بحوزتهم مولوتوف وخرطوش، قنبلة بدائية بمحكمة شمال الجيزة تهشم واجهات المبنى و8 سيارات، الإخوان يحرضون على مقاطعة الاستفتاء بميكروفونات المساجد، إبطال مفعول قنبلة ببولاق الدكرور وضبط سلاح آلي بإمبابة، ضبط 78 إخوانيا لتعديهم على أقسام الشرطة، مساعد كبير الأطباء الشرعيين يصرح بأن قتلى الاستفتاء لقوا مصرعهم بطلقات الخرطوش في الرأس والصدر والظهر، واشنطن قلقة من العنف خلال الاستفتاء، فشل محاولات إشاعة الفوضى.هذه بعض مانشيتات الصحف الملتزمة بنشر الوقائع كما حدثت، دون مبالغة أو غلو أو تضخيم، ومع هذه الأخبار تنتشر الإشاعات في طول البلاد وعرضها لتضخم من هذه الوقائع لإرهاب المواطنين وزرع الخوف في قلوبهم، وهو ما أدى بالقطع إلى عزوف كثير من المواطنين عن الذهاب إلى لجان الاستفتاء.ماذا تعني «نعم» لدستور 2014؟ولكن لـ"نعم" في هذا الاستفتاء على دستور 2014 حلاوة وطلاوة، فهي كلمة خرجت لأول مرة من أفواه الملايين من أبناء الشعب، التي تتحرق شوقا إلى العدل وتتطلع إلى أن يأتي الدستور فيحقق لهم الخلاص من الآفات التي خلفها حكم ظل ثلاثين عاما لا يرى سوى القلة القليلة من الأثرياء، والذين يسعون إلى الثراء السريع، ولا يرون بؤس الملايين وشقاءهم وخضوعهم للمحن والخطوب، وإذعانهم للكوارث والنائبات، والخلاص من جماعة سرقت فرحتهم بثورة أيقظت الروح المصرية على أمل عيش كريم لكل المعوزين، ولكل الذين لا يجدون قوت يومهم، والذين لا يجدون سكنا يأوون إليه يحميهم من برد الشتاء القارس ولهيب حرارة الصيف، والذين دهاهم المرض والجوع والعري والملل والذل والهوان، الخلاص من حكم فصيل قفز على ثورة الملايين التي حلموا بها سنوات طوال، فلم يحفل بدماء شهداء الثورة التي بذلوا أرواحهم رخيصة لتحقيق أهدافها، ولم يلتفت إلى وعود قطعها على نفسه في انتخابات الرئاسة لكي يكون رئيس حزبهم رئيسا لكل المصريين، فلم يكن يرى سوى الإرهابيين والقتلة الذين فتح لهم السجون، وشملهم بالعفو الرئاسي، ومنهم من حضر من أفغانستان ومن الغرب ليشكل منهم جيشا يحمي نظامه بعد الاتفاق مع أيمن الظواهري على أن يتحول جيش مصر إلى جيش من المرتزقة لا يكون له انتماء إلى وطن، بل انتماء إلى جماعة الإخوان والسمع والطاعة للتنظيم الدولي.وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.